ثم قفزت في البحر الهائج الجياش. . . وغاصت في الماء. . .
وصرخ أنطونيو. . . وأرسل عينيه المفزوعتين تبحثان في اللج، وتضربان في ثنايا الموج. . . لكنه لم ير شيئاً. . . ولما التفت إلى الخلف، وجد الفتاة تسبح نحو الشاطئ، وهي تكافح العباب المتلاطم، وتركب بجسمها الأهيف الجميل فوق أعراف الموج المضطرب
- لوريللا. . . لوريللا. . . قفي. . . عودي إلى الفلك. . . إن المسافة طويلة. . . نحن من الشاطئ على ثلاثة فراسخ يا أختاه. . .
لكن الفتاة أصمت أذنيها. . . وانطلقت تسبح. . .
وفي سرعة البرق، نشر أنطونيو شراعه، ولوى عنان الزورق الكبير، وذهب في إثرها. . . وجعل يرجوها ويتوسل إليها. . . لكنها مضت في سبيلها في البحر سَرَبا. . .
- لوريللا. . . وماذا تصنعين إذا بلغت الشاطئ؟ إننا على مسيرة ساعات من سرونتو. . . عشرون ميلا يا أختاه!!
ولم تعره لوريللا التفاتاً. . . بل ذهبت تذرع البحر في غير مبالاة. . . فلما كانت على سَبحة أو سبحتين من الشاطئ، لوت رأسها نحو الفلك، وقالت لأنطونيو مستهزئة:(أما وقد وصلت فسأركب. . . وحسبي أن أريتك أنني لست في قبضتك!!) وتعلقت في حبال السفينة، ووثبت كالغزالة، وراحت تعصر الماء من ملابسها، فانهمر من تضاعيفها غزيراً ثجاجاً
ونظرت إلى يديه، فوجدت الدم ما يزال يتدفق من يده، فنزعت منديل رأسها، وألقته إليه قائلة:(خذ. . . أربط بهذا جرحك) لكن أنطونيو لم يفعل، بل ظل يرنو إليها بعينين جائعتين ظامئتين معجبتين. . . فتقدمت هي، وربطت يده، ثم جلست بجانبه، وتناولت أحد المجذافين، وراحت تعمل به في الماء، لأن الريح كان قد تغير هبوباً. . . وحدجته لوريللا وقالت له: (وسترى أيضاً أنني أعرف منك بصناعتك. . . هلم فاعمل كما أعمل إن استطعت. . .
وكانت أم الملاح الشاب تنتظره عند المرفأ، فلما رأت ما به سألته ماذا أصابه. . لكنه