أجواء تفيض بالصبغة المصرية المحلية، وتتمشى فيها أعراق من الإنسانية العامة. وأغلب الظن أن القصة المصرية أصبحت المجال الذي يعمل فيه الأديب المصري اليوم لاستخلاص (المصرية) ولاستكمال مقومات أدب حديث؛ وهي مظهر من مظاهر تحررنا من أساليب الأدب العربي القديم بعد أن غمرتنا أمواج ثقافة غربية جديدة، وطالعتنا أحداث الزمن بما جعلنا ننفر إلى الجهاد في سبيل حياة مستقلة
ومهما حاول النقد مخلصاً أن ينال من القصة المصرية بإخراج أكثر نتاجها من دائرة الفن الرفيع فلن يستلبها بهاء الشباب وروعة الفتوة. وإذا لم نجد فيها - وأعني أكثريتها - عمق التفكير وجزالة الطبع القوي وصدق التحليل النفسي الذي يحس به ولا يلمس، وطرافة المعالجة، فحسبنا أنفاس عطرة دافئة تهب علينا من بين سطورها، هي أنفاس مؤلفيها، وهو أدباء يحاولون أن يدخلوا لوناً جديداً على الأدب العربي وأن ينشئوا أدباً قوياً
أكتب هذا وأمامي مجموعة أصدرها الأديب الشاب (صلاح الدين ذهني) باسم (رئيس التحرير وقصص أخرى)، وهي مجموعة تقف بجدارة إلى جانب أحسن ما أخرجته أقلام القصاصين الحديثين من المصريين. ولعل أبين ما تمتاز به أنها جاءت في أسلوب يتسامى بجزالته عن مثيله فيما قرأت من قصص الناشئين من القصاصين
إلا أن الجزالة في اللفظ والفصاحة ليست كل شيء في الأسلوب، وهو من معاني القصة قوالبها وأداة معالجتها. والحكم على طرافة القصة ومنزلتها من الأدب الرفيع لا يكون العمدة فيه موضوعها، بل أسلوب معالجة هذا الموضوع. وما ترك الأول للآخر فكرة أو موضوعاً لم يعالجه أو يشر إليه؛ فقد يحدث أن يعالج الموضوع الواحد عدد كبير من الكتاب، ولكن التفوق والخلود لا يكتبان إلا لواحد منهم، وهو من يكون قد حذق معالجة هذا الموضوع وبرع فيه
والمعالجة الطريفة لموضوع القصة تكون في حبكتها الشيقة وإنزالها في القالب الذي تخرج منه منسقة الحوادث من غير عنت، متينة البناء في غير افتعال، متزنة محكمة الأسلوب، تومئ وتفصح، وتقطر وتفيض. وحظ القصص التي بين يدي مما ذكرت غير متجانس، فبعضها يأخذ سمت المعالجة الطريفة في خطو وئيد، والبعض الآخر يتعثر في نواحي من نواحيه، إلا أنها عثرات سرعان ما تقال. ويبدو هذا في القصة الأولى من المجموعة