مشيت مشية المتمهل لأجتلي طلعة القمر، أو لأؤخر الشر لحظات.
فلما دخلت البهو وجدته خالياً، وكيف لا يكون كذلك وقد سبقتُ الموعد المحدد للسهرة بأكثر من ثلاثة آلاف ثانية؟ لقد وجدت البهو كالقلب الخليّ الذي تفكر المقادير في شغله بالحب، وجدته كالغادة التي تنتظر العاشق الصوال
دخلت وحدي وتلفتّ فلم أجد أحداً؛ وبعد لحظة لمحت شبح معالي الأمين وهو يتمرن على الطواف قبل قدوم الحجيج
وبعد دقائق نظرت فرأيت رجلاً يعدو إليّ عَدْواً فقلت: هذه طليعة الشر، وتأهبت للصِّيال
ولكن الرجل أخلف ظني كل الإِخلاف، فقد حياني أجمل تحية، وأخذ يدي برفق فدلني على المقصف فحسبته صديقاً قديماً أنستنيه الأيام، فقلت:
سيدي، هل لك أن تُذكرني متى تلاقينا أول مرة؟ أتراني عرفتك في القاهرة أو في باريس، ذكرني فقد نسيت!
فأجاب في لطف:
ما أذكر يا مولاي أننا تلاقينا قبل اليوم، وإنما رأيت الطربوش فوق رأسك فعرفت أنك من مصر العزيزة، وللمصري على العراقي حقوق الأخ الشقيق
فرفعت الكأس وقلت: تعيش بغداد، ويحيا العراق.!
وسألت بعد ذلك عن اسم هذا الرجل الشهم فعرفت أنه المهندس نجيب نورس الياور، وكذلك استحال على معالي أمين العاصمة أن يلقاني بغير الابتسام
نحن الآن في بغداد، في ليلة ما رأى مثلها الرشيد، وإن تَعبَ الواصفون في التذكير بليالي الرشيد. هي ليلة بغدادية لا قاهرية، لأن القاهرة حين تعرف أمثال هذه الليلة تنقلها نقلاً عن الغرب، ويختلف حولها الفقهاء؛ أما بغداد فتعرف الليالي الساهرة عن الآباء والجدود. هي ليلة سيذكرها من رآها وستحتل أقطار ذهنه إلى اللحظة التي يعاني فيها سكرات الموت؛ هي ليلة تمثل الفتوة العراقية وتذكر الجاهلين بأن الشعب الطروب لن يموت
كان الناس كلهم في سماحة الملوك، وكنت وحدي أبخل الحاضرين، فقد سألني رجل عظيم متى أرقص، فكذبت عليه وقلت لن أرقص، مع أني ذهبت إلى ناحية قَصيّة وراقصت ثلاث فتيات، وعاقرت الثغور سبعين مرة أو تزيد، وعند الكرام الكاتبين جريدة الحساب