لا أدري والله ماذا صنعت في تلك الليلة، إلا حادثتين اثنتين: الأولى حين دخلت المقصف بعد الدورة الرابعة من دورات الرقص فقد ارتفعت الأصوات: يحيا الدكتور زكي مبارك! وكان الأستاذ علي الجارم بك بين الحاضرين فانتظرت أن يهتف باسمي فلم يتردد كما كنت أتوقع، وإنما هتف هتاف الصديق؛ ثم شق الصفوف إليّ فعانقني وهو يقول: أنا فرحان لك يا دكتور زكي! فرحان لك يا أخوي، فرحان لك يا حبيبي، فرحان لك يا نور العيون يا زهرة مصر في العراق
وإنما عددت هذه الحادثة لأن المواطنين لا يفرح بعضهم لبعض إلا في قليل من الأحيان
ولا مؤاخذة يا جارم بك، يا حبيبي يا نور عيوني، يا أحلى من ملح رشيد!
أما الحادثة الثانية فهي طرفة لا تقع من رجل سواي
فقد عثرت في الطواف على فتاة خشنة جافية تصلح لأن تكون مديرة لإحدى المدارس الثانوية، ولكنها لا تصلح لأن تكون غادة في مرقص، فقلت في نفسي: ما الذي يمنع من التصدق على هذه الفتاة بقبلة أو قبلتين؟
وأنا في الحقيقة (رجل إنسان) كما يعبر أهل القاهرة، أو (رجل آدميّ) كما يعبر أهل دمشق. وما أذكر أبداً أن سائلا سألني وخيبته، وأنا لا أستحي من الجود بالقليل لأنه على كل حال أفضل من المنع؛ وقد أكرمنا الله بالغنى، فمن اللؤم أن نكون بخلاء
طافت هذه الخواطر بنفسي وأنا ألمح تلك الفتاة الجافية فقلت إن ليلتي هذه لن تخلو من سيئات، ولابد من حسنة تمحو ما سأقترف من سيئات، فتوكلت على الله وأقدمت
سلمت على الفتاة فاستراحت للسلام، وإن كنت لا أعرفها ولا تعرفني
وقبلت يدها فابتسمت
فقبلت جبينها وخديها، ثم قبلت جبينها وخديها، وانصرفت
ولكني لم أكد أخطو بضع خطوات حتى سمعت رجلاً يصيح: يا دكتور مبارك! يا دكتور مبارك!
فالتفتّ مذعوراً فإذا سكرتير مجلس الوزراء. فقلت: وقعت الواقعة وحقّت الفضيحة، وجمعتُ أشتات قواي وقلت: نعم، يا سيد!