فقلت: وماذا قال شوقي؟
فأجاب إنه قال:
نظرة فابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء
فهو قد فرض أن تسبق القُبلة بستة أشياء، وأنت قبّلت بدون مقدمات
فقلت: يا سعادة الأستاذ، لقد عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء. إن شوقي قال هذا البيت منذ خمسين سنة يوم كان القطار أسرع ما عرف الناس، ونحن اليوم في عصر اللاسلكي والطيران فلا تلمني إن قبلت بدون مقدمات، فمن العقل أن نتخلق بأخلاق الزمان
طابت السهرة وطابت ثم طابت، وعرفت فيها طبيباً نبيلاً كان يصادقني عن طريق مؤلفاتي، وسيكون من الذين أقبل من أجلهم ثرى بغداد يوم أفارق بغداد، وصداقة الأرواح شيء نفيس، ومودة العقول من ذخائر الرجال
وكانت ليلتنا كما قال ابن المعتز:
ثم انقضت والقلب يتبعها ... في حيثما وقعت من الدهر
فأين ليلتنا من الدهر؟ أين؟ أين؟ إنك يا دهر لظلوم!
كنت أول من دخل البهو في تلك الليلة، وكنت آخر من خرج، ولولا الحياء لطلبت المبيت هناك لأستنشق ما بقي من أنفاس الظباء
رجعت إلى المنزل، ولا أذكر كيف رجعت، فقد استيقظت قُبيل الشروق، فرأيت مصابيح البيت كلها مضاءة، ورأيتني في ثياب السهرة كما كنت، فعرفت أنني دخلت البيت بلا وعي ولا إحساس
ولكن لا بأس فقد عشت ليلة من ليالي بغداد
وإلى معالي أرشد العمري تحيتي وثنائي!
هذا صباح العيد، وهذا طوافي برياسة مجلس الوزراء، أصافح الرجال الذين عناهم الشريف الرضي حين قال:
نحاسن أقمار الدجى بوجوههم ... فنبهرها نوراً ونغلبها سعداً
تخالهمُ غِيداً إذا بذلوا الندى ... وتحسبهم جناً إذا ركبوا الجردا
هذا هو الرجل العذب الروح النبيل الشمائل جميل المدفعي رئيس الوزراء الذي لا يصدق