من يرى صباحة وجهه أنه من صناديد القتال، والليث لا يكون شتيماً في كل حين
وهذا وزير المواصلات، الصديق الذي أحببته منذ رأيته في سهرات رمضان
وهذا وزير الداخلية يلوم ويعتب لأنه يراني أستبيح من أساليب التعبير ما لا يستبيح أدباء باريس
ويتفضل صديق عزيز فينقلني بسيارته إلى منزل صاحب الفخامة نوري باشا السعيد، وكنت أتمثل نوري باشا رجلاً كهلاً أضوته السنون، فأراه فتىً خفيف الروح كأنما قدم بالأمس من ملاعب مونبارناس؛ ويقبل عليّ فخامته فيقول: أنا تلميذك بالفكر، يا دكتور مبارك، لأني قرأت جميع مؤلفاتك
ويروعني هذا اللطف فأقول: (لقد علم الله كرم نفسك فحفظ عليك شبابك يا فخامة الرئيس)
ويقبل عليّ الحاضرون فيسألون عن صحة ليلى، فيبتسم نوري باشا ويقول:
(إن ليلى المريضة في العراق هي شبكة ينصبها الدكتور زكي مبارك لتقع فيها إحدى الليليات)
وأتألم من ذلك فأقول: (إن مولاي نسي أنه تلطف فأعان الضابط عبد الحسيب على الانخراط في سلك الجيش العراقي سنة ١٩٢٦)
ويمسح نوري باشا جبينه ويقول: (تذكرت، تذكرت، شفى الله ليلى على يديك)
ثم نمضي فنزور معالي مولود مخلص رئيس مجلس النواب فنرى الرجل الذي أفهم العالم أن من واجب الجيش الإنجليزي أن يحسب ألف حساب للجيش العراقي، ونسمع الفصاحة العربية التي كانت تعذُب وتطيب على ألسنة الغزاة الفاتحين
وفي مساء يوم العيد نحتفل بعيد صاحب الجلالة فاروق الأول احتفالاً فخماً يشاركنا فيه أقطاب العراق
وفي اليوم التالي أمضي لإلقاء محاضرتي في المؤتمر الطبي فيقبل علي عشرون طفلاً وهم يصيحون: (الدكتور زكي مبارك، الدكتور زكي مبارك)
ويجيء صديق من الأطباء السوريين فيقول: (لقد صارت طلعتك بهجة لأطفال بغداد يا دكتور مبارك! (فينهمل دمعي وأقول: (نعم، فهذه الطفلة تشبه كريمة، وهذا الطفل يشبه عبد السلام، وهذا يشبه عبد المجيد، وتلك الفتاة تشبه زينب، وهذا الفتى يشبه سليمان)