٦ - التعاون: فقد أمر به الكتاب فقال: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
على هذه القواعد التي تقيم الحكم على أساس متين وتكفل له تحقيق أكمل غاياته قامت حكومة الرسول (ص) في المدينة المنورة وفيما جاورها من الأماكن القريبة. ولبساطتها وقلة التفرع في شؤونها وبعدها عن التشعب وعدم سعة أرضها كان أمر تدبيرها في جميع نواحيها إليه صلى الله عليه وسلم مباشرة. وساعد في ذلك أن أصحابه كانوا لأوامره مطيعين، ولأقواله حافظين، وبأفعاله مقتدين، ينشدون العدل ويطلبون الحق، يرون سعادتهم في طاعته وترسم آثاره، وشقاءهم في مخالفته وتنكب طريقه
وكانت الولايات على عهد الرسول تكاد تنحصر في قيادة الجند وولاية الصلاة والتعليم، وولاية الصدقات والأموال، وولاية القضاء والمظالم، وولاية التشريع
فأما قيادة الجند فكانت إليه. يدعو إلى الجهاد ويعبئ الجيش ثم يقوده بنفسه، ويشرف على ترتيبه وخططه، فإذا لم يخرج معه عهد إلى بعض أصحابه في ذلك ممن عرف بالكفاية في الحروب والحذق بفنونها والبصر بمكايدها. ولم يكن له عليه السلام جيش خاص يقوم بذلك دون بقية المسلمين، بل كان جميع المسلمين جنداً محاربين لا يعفى من الخروج إلا من أقعده المرض أو الضعف أو العجز، أو لم يجد نفقة، وكان في ذلك حزنهم وعظيم كربهم، حتى أنزل الله تعالى قوله:(ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل، والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون). كذلك كان يعفى من الخروج من عهد إليه بعمل عام في المدينة أو لحقته ضرورة لا فكاك منها، على أن يكون له سهمه في الغنائم. وكانت نفقاتهم في أموالهم وأرزاقهم من مال الله الذي آتاهم أو في أموال المحسنين منهم ممن كانوا يخرجون عن بعض أموالهم لهذه الأغراض. ولم يكونوا محصورين في ديوان لعدم الحاجة إلى هذا الإحصاء لأنهم كانوا جميعاً محاربين، ولم تتخذ سجلات الجيوش إلا في عهد عمر رضي الله عنه
وأما ولاية الصلاة والتعليم فكان عليه السلام يؤمهم في المدينة ويعنى بتعليمهم دينهم