رسولا؟ لقد هدف محمد للستين أو نيف عليها وليس له ابن من صلبه، ولقد تزوج بعد خديجة غير واحدة فلم تبشر إحداهن بخصب. وهاهو ذا يرى حياته تبدأ من جديد، وصفحة طفولته تنشر من جديد في شخص الطفل إبراهيم. فلم لا تقر عينه بطفل، ويرفع أمه إلى مقام الحرية من أجله، ودين محمد يمقت الرق الذي ورثه جيله عن القرون البائدة، ويتشوف إلى الحرية ويتمحل لها الأسباب؟
ولكن عقارب الغيرة تعاود دبيبها من جديد. لقد كانت كل واحدة من أمهات المؤمنين تشتهي أن تكون أم الغلام، فأبت المقادير عليهن ذلك، ومنحته جارية لا تمت إلى العرب بنسب
لا غرو أن يحدث ذلك في نفوسهن غيرة، وإن شئت فقل حفيظة على أم ذلك الغلام. ولعل تلك الحفيظة تجاوزت أم الغلام إلى الغلام نفسه. ولعلهن أسرفن في ذلك حتى هممن بأمر جلل، هممن أن يشككن الرسول في صحة نسبة الغلام إليه حتى أنه ليدخل به يوماً على عائشة، فيوجه نظرها إلى ما بينهما من شبه، فتهز كتفيها هزة النفي والإنكار، بل تصرح بذلك في مواجهة الرسول، فلا يسعه إلا أن يرميها بالغيرة، ثم ينصرف
بيد أن الأمر لم يقف عند هذا الحد
هذه حفصة تغادر بيت بعلها إلى بيت أهلها لبعض الشؤون. وهذا رسول الله في بيت حفصة. وهذه مارية أم الغلام تدخل عليه، ثم يكون بينهما ما يكون بين المرء وزوجه، ولكن حفصة تعود في وقت كان من الخير ألا تعود فيه، فترى مشهداً مريباً، أو تعده هي مريباً، فتعاتب الرسول قائلة:(لولا هواني عليك ما فعلتها) ولكن الرسول يهدئ من روعها، ثم يعتذر، ثم يستكتمها الأمر، فتعد، ولكن متى كان للمرأة - وإن كانت زوجة رسول الله - أن تمسك لسانها عن سر إلا كما يمسك الماء الغرابيل؟
أصبح الرسول فإذا سره أذيع من يوم حليمة، وإذا سائر نسائه يتحدثن به، ويعلقن عليه بما يحلو لهن
وهنا لا يعتصم سيد الرسل بسيد الأخلاق، ولا يبتسم ابتسامته الهادئة، ولكن يغضب الرجل الحليم، وتكون القطرة التي فاضت بها الكأس، والقشة التي قصمت ظهر البعير
لابد من درس قاس يقف هذا التيار، ويعيد إلى منزل الرسول صرح السعادة المنهار، ثم، ثم تكون العزلة