للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن، ليت شعري إلى أي حد كان تأثير هذا الدرس في نفوس أمهات المؤمنين؟

- ٥ -

أرأيت ندامة الكسعى على قوسه؟ أرأيت رسول الله وقد فتر عنه الوحي ثلاث سنوات، ذهبت فيها نفسه حسرات، حتى ليكاد يردي نفسه من شاهق؟

تلك هي حال نساء الرسول مدة عزلته - شهر أو قرابته - يقرعن السن، ويعضضن البنان، وتتنصل كل منهن، وتلقي إحداهن التبعة على غيرها، وينحين باللائمة على أنفسهن. ما بالنا نحرج رسول الله؟ أيكون هذا جزاء نصير المرأة من المرأة؟

أي والله ما برزت شخصية المرأة، ولا أخلى لها مكانها في المجتمع إلا محمد؛ محمد الذي انتشل المرأة من الهوان الذي تحدر إليها من أعماق التاريخ. لقد حرم وأدها صغيرة، وجعل لها حق اختيار الزوج كبيرة، وجعل لها نصيباً من الميراث بعد أن كانت العرب لا تورث من يحمل السلاح، ويقدر على الكفاح من الرجال دون النساء، بله الأطفال

أما كانت المرأة عند الأثينيين معدودة من سقط المتاع، حتى أنها لتباع وتشترى في الأسواق؟ أما كان الإسبرطيون يبيحون لأي عدد من الرجال الاشتراك في زوجة واحدة؟ أما كانت بعض طوائف اليهود يعتدون البنت في مرتبة الخادم، ويجيزون لأبيها بيعها، ويحرمونها الميراث إلا عند فقد الذكور؟ أما كانت المرأة تعتبر عند بعض الجاهلية ميراثاُ يورث، حتى أن المرأة لتؤول ملكيتها إلى ابنها بعد وفاة زوجها؟

كان طبيعياً أن يذكرن نساء النبي ذلك كله، وأن يتحدثن مدة عزلة الرسول التي كان وقعها شديداً على أنفسهن. وكيف لا تكون كذلك وقد كان الرسول في بيته نمطاً وحده، يعامل نساءه على أسلوب لم تألفه العرب؟ هو في بيته مثال الدعة والأريحية كثير التدليل والمداعبة لنسائه، حتى ليجترئن عليه بما لا يجترئن به على آبائهن واخوتهن. قال عمر: (راجعتني امرأتي في شأن من الشؤون، فانتهرتها فقالت: عجباً لك يا ابن الخطاب! ما تريد أن أراجعك في أمر وإن ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظل يومه غضبان)

كان النبي صاحب الغزوات والملاحم ينقلب في بيته ملاكاً وديعاً، حتى أنه ليصلي فيتسلق ظهره الحسن بن علي، فيطيل سجوده، حتى يترجل الغلام من تلقاء نفسه. وكان رحيماً بنسائه، حتى أنه لفي بعض رحلاته، ببعض زوجاته، فيغذ قائد راحلتهن السير، فيقول له:

<<  <  ج:
ص:  >  >>