للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قليلا؛ وكانوا يذكرون أيام عقبة وإقدام عقبة فتنطوي على الهم قلوبهم. وهم لا يعلمون ما تأتي به الأيام. . .

ولكن الدهر صروفه وتقلباته، فقد مات معاوية وصارت الخلافة لابنه يزيد. وفي سنة ثنتين وستين للهجرة أعيد عقبة إلى أفريقية. وجاء يسعى إليها يطوي البلاد طيا، وفي قلبه من الحماسة للجهاد مثل ما فيه من الكيد لأبي المهاجر. وهل كان يستطيع عقبة أن ينسى ما كان من أبي المهاجر، وقد كان يحز في نفسه ما صنعه به منذ أخرج من أفريقية؟ أوثقه اليوم عقبة كما أوثقه هو من قبل، وشد عقبة وثاقه، وبالغ في الكيد له فكان يحمله في غزواته مقرناً في الأصفاد!

وفرح المسلمون للقاء قائدهم، وانبعثت في قلوبهم الحمية، واجتمعوا تحت لوائه يبدءون الزحف من جديد؛ وعاد للقيروان عزها ومنعتها؛ وألقى الرعب في قلوب البربر والروم وهم كما علموا لا قبل لهم بعقبة؛ وكان عقبة يضمر الحقد لكل من كانت له صلة بأبي المهاجر، وفي طليعة هؤلاء كسيلة رأس البربر

رفع اللواء واستؤنف الزحف، وحلا الجهاد للصابرين. أنظر إلى عقبة يستخلف بالقيروان زهير بن قيس البلوي ويحضر أولاده فيقول: (إني قد بعت نفسي من الله عز وجل فلا أزال أجاهد من كفر بالله) ثم يوصي بما يفعل بعده ويتقدم على رأس جيشه يخوضها حروباً مستعرة متوالية. . .

الشقة بعيدة، والعدد متكاثر له في الشعاب والقلل مخابئ. رفقاً يا عقبة بالبواسل القليلين! ولكنهم على قلتهم كالسيل على قلتهم كالسيل الأتي لا يصرفهم عن وجهتهم شيء، ولا تقف من دونهم عقبة. هاهم أولاء يقربون من مدينة باغاية وفيها من الروم حشد عظيم، والبربر من ورائهم يعركونهم ويتربصون بهم الدوائر؛ ولكن العزم المصمم لا يعرف الحوائل. لقد التقى الجمعان واشتد القتال وزلزل الروم زلزالاً شديداً؛ وكثرت مغانم المسلمين وكثر عدد صرعاهم، واعتصم الروم بالمدينة فحاصرها عقبة ثم كره المقام عليها فاستأنف الزحف

رفقاً بالبواسل القليلين! بعدت الشقة وقلت القلة! ولكن عقبة لا يعرف النكوص ولا يخاف الموت وقد باع نفسه من الله؛ ميدانه بعد باغاية بلاد الزاب، وهي بلاد واسعة بها مدن وقرى. سار عقبة وجيشه حتى جاءوا مدينة أربة قصبة تلك الديار، فوقف له الروم

<<  <  ج:
ص:  >  >>