للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وظاهرهم عليه البربر واعتصموا بالجبال، ثم التحموا بالعرب في عدة معارك آثروا بعدها الفرار من الموت، تاركين الكثير من أسلحتهم وخيلهم. . .

إلى أين يا عقبة بعدها بالكرام الصابرين؟ إلى تاهوت، ويا للهول ما كان في تاهوت! تكاثر العدد واستقتل البربر، ولكن العرب صابرون؛ أحدق الخطر بالبواسل الأنجاد، ولكن لهم في عقبة وبلاء عقبة الحصن القوي والمعتصم الأمين. وما هي إلا غمرة ما لبثت أن انجلت على وميض السيوف والتماع الأسنة، وعاد النصر إلى صفوف المجاهدين المستبسلين

والقائد الظافر بعد هذا النصر يطفر من الحماسة والجيش من ورائه يهبط الوهاد ويركب النجاد، وقد عظم بعد ما بينه وبين القيروان؛ ولكن ماله وللقيروان الآن وقد أصبحت البلاد كلها له، وعرف الإسلام سبيله إلى قلوب المهتدين من أهلها؟ سار الجيش حتى نزل على طنجة، فأحسن يوليان بطريق الروم لقاء عقبة وقدم له الهدايا واستفهمه عقبة عن الأندلس، ولكن أين السفين ليحمل الفاتحين. . .؟

وماذا بعد طنجة للغرباء الظافرين؟ نزل بهم عقبة - أو نزل اسكندر العرب كما يسميه جيبون - على بلاد السوس الأدنى ومعظم أهلها من البربر ولهم بأس شديد، إذ لم يكن لهم كغيرهم في البلاد الأخرى كبير صلة بالروم؛ وكانوا كفاراً لم يعتنقوا النصرانية؛ فما زال بهم المسلمون حتى دانوا لهم، وآمن منهم من آمن بالكتاب وهرب من نجا من السيف إلى الجبال والمهامه، ثم إلى بلاد السوس الأقصى، وهي بلاد ذات خصب يكثر عدد ساكنيها من البربر. وأين المفر من عقبة وجيش عقبة، وهل ثمة ما يمنعه أن يغزو السوس الأقصى؟

احتشدت له البربر هناك في أقصى الأرض جموعاً هائلة، وقاتلوه قتالاً شديداً تجلى فيه بأسهم وشجاعتهم، ولكن عقبة لم يزل بهم حتى فرق جموعهم وأذهب ريحهم، وأرسل الخيل من ورائهم تطاردهم في الجبال والصحراوات وقد كثر ما غنمه منهم، وأخذ يعلن فيهم دين الله. وتقدم بعد ذلك فإذا الخضم الفسيح يمتد أمام بصره! أنظر إليه وقد وقف على شاطئ المحيط برهة ثم غمز جواده فنزل به في الماء حتى جاوز الماء صدره، وشهر سيفه ورفع إلى السماء بصره، ثم استمع إليه يقول: (يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك)

<<  <  ج:
ص:  >  >>