للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شاور الرسول أصحابه فيما يصنع فكان الرأي أن يتحصنوا بالمدينة، حتى إذا أتوهم قاتلوهم عنها. وكان من قول عبد الله بن أبي: (يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم. فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا).

وأنى لهم أن يجمعوا على هذا الرأي وفيهم من يتلهف شوقاً إلى حرب المشركين (فقد كان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر لما سمعوا النبي يخبر بفضل من شهدها وعظيم ثوابه، فودوا غزوة ينالون بها مثل ما ناله البدريون وإن استشهدوا)؛ فلم يعجبهم ما قال المجربون من الرأي الهادئ الخمير، وتغلبت عواطفهم الجياشة، واشتد بهم الظمأ إلى الشهادة حتى قالت طائفة منهم:

(إنا نخشى أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج جبناً عن لقائهم فيكون هذا جراءة منهم علينا).

وقال حمزة: (والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارج المدينة).

وقال النعمان بن مالك: (يا رسول الله لا تحرمنا الجنة، فوالذي نفسي بيده لأدخلنها) الخ.

ووافق هؤلاء مشيخة من المهاجرين والأنصار فكانت غزوة أحد، وكان أول الناس إسراعاً إليها وأشدهم فرحاً بها أنس وأخته، وخرج إليها الكثير من الأحداث والنساء، فأبلوا فيها البلاء المحمود، دفاعاً عن دينهم وذياداً عن نبيهم وشوقاً إلى ما عند الله.

شب القتال؛ وكان المشركون ثلاثة أمثال المسلمين أو يزيدون، ونصر الله المسلمين أول الأمر، حتى إذا ترك الرماة مواقفهم التي أمرهم الرسول بلزومها كان ما هو معلوم للجميع، وزلزل المسلمون زلزالاً شديداً وكثر فيهم القتل وانهزم فريق وثبت فريق وأشيع أن رسول الله قد قتل وأسقط في أيديهم. هنالك كان الامتحان الأعظم للبطولة والإخلاص فمحص الله للشهادة الأخيار، وذاد القرومُ البواسل عن الرسول ذياد المستميت، وعمد النساء إلى السلاح يأخذنه من المنهزمين فقاتلن به حتى كانت ضروب الشجاعة والبسالة التي أتاها النساء فقط، صفحة مجيدة تتقطع دون الظفر بها رقاب الفحول المذاويد الأبطال؛ وكان من ثبت

<<  <  ج:
ص:  >  >>