وكأنه لا يرى في الحياة إلا الطبيعة، فلا يتكلم إلا عنها ولا يشبه إلا بها.
فان كان البحتري قد أثر فيه حب علوة الحلبية فقال الشعر الغنائي الرقيق، ورسم الصور الشعرية الجميلة، وأخذ في كل هذا على نفسه ألا يبوح باسمها.
وسميتها من خشية الناس زينباً ... وكم سترت حباً عن الناس زينب
فان ابن خفاجة أثرت فيه الطبيعة فهام بها وأحبها حتى كان يذكرها في شعره واصفاً أو متغزلاً، صاحياً أو نشوان.
وكأنه وهو نشوان أقدر على وصف الطبيعة والتشبيه بها، أو كأن حبه لها يهيج فيه قريحته الشعرية حين يجلس إلى الشراب ثم لا يرى بداً من ذكرها لأنه مفتون بجمالها مسحور بمناظرها.
أقواله في الخمر: - يصف ابن خفاجة الخمر ويصف كؤوسها ويشبهها فيتفنن في التشبيه والوصف، فإذا أردنا أن نقايس بينه وبين أبي نواس في وصفها، فهو بلا شك دون منزلة أبي نواس. لأن أبي نواس يقصد إلى الخمر قصداً، فينشئ القصيدة على ذكرها ويجعلها موضوعاً من الموضوعات الشعرية، ولكن ابن خفاجة في مقطوعاته التي يذكر فيها الخمر يجعلها أحد المواضيع التي ينشئ فيها المقطوعة. فأكثر مقطوعاته الخمرية ينشئها على ذكر نزهة جميلة مع إخوان صدق في ظلال الأدواح يشربون ويسمرون، أو على ذكر مجلس إخوان وأصدقاء يقرضون الشعر ويصفون فيه مجلسهم واعتكافهم على الخمر، أو يصف الخمر أثناء تغزله، وفي كل مقطوعة من مقطوعاته التي فيها للخمر ذكر لا نرى الأ البيت والبيتين. قال من وصف يوم أنس وفكاهة:
وجاء بها حمراء أما زجاجها ... فماء، وأما ملؤه فلهيب
فهو يقول: انها خمرة حمراء كأنها لهيب النار المتوقدة في كأس كأنه الماء صفاء وشفافية:
ويصف الخمر بيد حبيب له فيقول:
مشمولة بينا ترى في كفه ... ماء، ترى في خده الهوبا
فهو يقول: انها باردة الطعم لهبوب الشمال عليها كأنها الماء صفاء، وانه محمر الخدين كأنهما لهيب نار مستعرة، وقال ايضاً: