فقد شبهها بالكوكب المتوقد وهو يشبه قول ابي نواس:
إذا عب فيها شارب القوم خلته ... يقبل في داج من الليل كوكبا
ويشبهها بالفرس الأشقر فيقول:
وقد جاء من كاس السلافة أشقر ... يسابقه من جدول الماء أشهب
ويقول في وصفها أيضاً وهو يتغزل:
حيا بها ونسيمها كنسيمه ... فشربتها من كفه في دره
منساغة، فكأنها من ريقه ... محمرة، فكأنها من خده
إلى هنا لا نرى في وصف ابن خفاجة الخمر وفي تشبيهه إياها شيئاً يخرج عن الطبيعة؛ فقد شبهها بلهيب النار المشتعلة وشبه كأسها بالماء الصافي الرائق، ثم شبهها بالكوكب المتوقد، ثم شبهها بالفرس الأشقر للونها الأشقر، ثم شبهها وقال انها منساغة فكأنها من ريق الحبيب الخصر العذب، وإنها حمراء كأنما قد عصرت من خده الوردي.
واقرأ هذه المقطوعة يداعب بها الساقي الأسود، وانظر كيف يصف الخمر الحمراء والكؤوس البيضاء، ثم ينبري فيصف لنا المكان الذي جلسوا به، والوقت الذي شربوا فيه، ولاحظ إذا شئت تشبيهاته وأوصافه التي لا يخرج بها عن مناظر الطبيعة وعن أوصافها:
رب ابن ليل سقانا ... والشمس تطلع غره
فظل يسود لونا ... والكأس تسطع حمره
كأنه كيس فحم ... قد أوقدت فيه جمره
إلى أن يقول:
فظلت آخذ ياقو ... تة واصرف دره
حتى تثنيت غصنا ... واصفرت الشمس نقره
وارتد للشمس طرف ... به من السقم حسره
يجول للغيم كحل ... فيه وللقطر عبره
فهو يقول: إن عبداً اسود يسقينا منذ طلوع الشمس، وكأنه وهو يدير علينا الخمر في كؤوسها الحمراء كيس من فحم قد أوقدت فيه جمرة ملتهبة، وظللت على هذه الحال أتناول الكأس مملوءة حمراء كالياقوتة وأعيدها فارغة بيضاء كالدرة، حتى تثنيت من شدة السكر