وكمجد الحضارات اشرق من بلادنا، وكانت اللغات السامية أول أداة للإفصاح عنه.
التوراة مليئة باللهجة الأدبية. والتوراة كتبت أولا باللغة العبرية. والإنجيل ملئ باللهجة الأدبية؛ والسيد المسيح تكلم بالآرامية والسريانية والعبرية، قبل أن يكتب الإنجيل باليونانية واللاتينية لينقل بعدئذ إلى مختلف اللغات. والقرآن ملئ باللهجة الأدبية؛ والقرآن هو الكتاب العربي المبين والمستودع الخالد لهذه اللغة التي لا تموت مهما توالت عليها القرون وتناهبتها تصاريف الحدثان
ترون من كل هذا معشر الشرقيين عريقون في الأدب، وإن أدياننا عمدت إلى اللهجة الأدبية لتكون أسرع اتصالاً بالنفوس وأبرع استيلاء على المشاعر. ولئن أجمع نفر من علماء اللغات في الغرب على أن اللغات السامية حماسية، غنائية، بيانية، خطابية، أكثر منها اختصاصية علمية ميكانيكية، فنحن نعتز بذلك. لأن اللغة الأدبية هي لغة النفس، لغة الجوهر، لغة البقاء. واللغة المحتوية على الجوهر لا تضيق دون العرض والطارئ والإضافي. وليس لنا إلا أن نتابع الجهود التي باشرناها أفراداً وجماعات علمية - ناهجين نهج أسلافنا الذين نسخوا وترجموا ونحتوا واشتقوا وعربوا - لنجعل أداة اللغة كافية وافية في تأدية كل مستحدث من المعاني والمسميات والاختراعات العصرية. ولنا من اتساع اللغة ومرونتها ما يمكننا من صوغ المفردات وسبك القوالب على طريقة ترضي من الناحية الواحدة مولانا سيبويه، وترضي الواقع والذوق من الناحية الأخرى، فلا يكون اسم الراديو مثلاً: الطمطمان، ولا يكون التلفون: أرريزاً
ومعلوم أن الأدب كاللغة، حليف التقهقر والتطور في الشعوب التي تعالجه. وآدابنا في تاريخها الطويل أصدق شاهد على صحة هذه النظرية لأنها ازدهرت ثم لازمها الجمود وفقاً لارتفاع الدول العربية وهبوطها. وصدق تلك النظرية أظهر ما يكون في عصرنا الحاضر.
نظرة إلى البلدان العربية، فماذا نرى؟ بعد هجعة ثلاثة قرون أو تزيد استيقضت الشعوب العربية، وحركات اليقظة لا تكون منتظمة في بادئ الأمر، وإرادة المستيقظ لا تكون مستقرة ثابته، وبصيرته تظل وقتاً ما غائمة غير صافية ولا نافذة. المستيقظ يلبث حيناً حائراً بين خيالات الليل وحقائق النهار، ولكن كم في خيالات الليل من حقيقة، وكم في حقائق النهار من خيال شعوبنا على همتها وتحفزها ما زالت قلقة مضطربة، وأدبنا على