للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فينقل إلينا منها ماينقل، جاعلا لكل شئ أهمية خاصة تهز منا المشاعر، وتستثير الحماسة، وتكيف الآراء. ومن معالجة الأديب للأزمنة والحوادث والشعوب ينبعث لنا الهزيج الفتان فيلفتنا إلى أن طبيعتنا رحاباً لم نكتشفها وإن في أرواحنا ممكنات توسع أمامنا أفق الحياة.

وإذ يحدثنا الأديب عن النظريات والمذاهب والشخصيات نتحزب مختارين لها أو عليها، فننكر نظرية ونؤيد نظرية، نمقت شخصية ونحب أخرى محاولين الاندماج فيها، ندحر مذهباً وننتصر لغيره تائقين إلى نشره في الملأ مع رفاق نوليهم الثقة. كذلك الأديب يجوز بنا بحر الحياة المكفهر كسفينة استغنت عن الشراع والقلوع وعن الرياح المؤاتية، لأن له من نفسه القوة التي تسوقه إلى الأمام. وليس من اختبار يمر به إلا تأثرت به كتاباته، فلا نفتأ نتطلع إلى كل ما يحدث له متسائلين عن سر قوته في المناعة، وعن سر قدرته في الإبداع، ذلك السر الدفين، ذلك الجوهر المكنون المعرض عن كل تأويل وتفسير، السباق إلى أجواء من التفكير والإحساس والتكوين، لا نأبه لوجودها إلا بعد أن يجول جولته فيها

وسرعان ما يتصل الحاضر بالمستقبل في فن الأديب: جيل جديد يتخرج على أثاره وعلى مؤثراته، فيشب حاملاً معه الفكرة التي تنيل الحياة قيمة في تذوق الجمال الحسي والأدبي، وفي ممارسة الجمال تأملاً وسعياً وجهاداً، رافعاً بيده مشعل الحب العتيد للوطن، وللرجاء وللتقدم، وللشهامة وللبطولة، ولإرضاء غريزة الحرية!

رسالة الأديب تعلمنا أن لكل قطر من الأقطار العربية حضارة غابرة حلت محلها الحضارة العربية ناسخة عنها وعن غيرها لتسبكها في قالبها وتدمغها بطابعها الخاص. رسالة الأديب تعلمنا أن الغرب الحاذق عرف كيف يقتبس عن حضارتنا يوم كانت حضارته وثقافته وشيكة. ولكن ما أغزر ما استفاد وما أخصب ما انتج، وما أبدع ما ابتكر! وأن الحضارة العربية كانت الصلة المتينة بين الغرب الجديد وحضارة اللاتين والأغارقة. وهاهو ذا الغرب يرد إلينا الآن دينه كشعاع من الشكر بما ينشره بيننا من ثقافة، فعلينا أن نأخذ عنه بمثل المهارة التي أخذ بها عنا!

رسالة الأديب تعلمنا أن الحضارة الميكانيكية أدوات نستعبدها ونستخدمها، لا أدوات تستخدمنا وتستعبدنا. وأنه لا يكفي أن يضغط أمرؤ على الزر الكهربائي فينال سحري النتائج، وأن يمتطي سيارة أو طيارة فيطوى شاسع الابعاد، وأن يرقص رقصة ويصغي

<<  <  ج:
ص:  >  >>