(وما ذاك إلا لأن صيت درسة (طلبة) هاتين الصنعتين لا يوجد عندهم اقبح منه. ولا جرم في شيوع هذا الصيت الردى لأنه يوجد حقيقة قسم كبير من هؤلاء الدارسين مطلوق العنان إلى ارتكاب الكباير والجرايم، عوض الانكباب على الدراسة والمطالعة. فترى جماعة هذا القسم تايهين في عالم الشهوات، وضاربين في أودية المعاصي. فهم يطوون النهار ويحيون الليل ما بين الدساكر والخمارات ومحلات الانهماك على الفساد. . . فتراهم هناك مفصومي العرى، محلولي الثياب، مشوشي الشعر. وبرانيطهم مقلوبة إلى الوراء كأنها مجفلة من إماراتهم)
وكان من سوء حظ المعلم فرنسيس أن يشهد جامعياً في داخل قاعة المحاضرات:(وقد شهدت شيئاً من ذلك ضد أعظم معلمي النباتات عندهم. وهو أنني دخلت إلى القاعة المعدة للخطابات، حينما كان المعلم مزمعاً أن يفتح كلامه على النباتات. فرأيت المحفل مضاعف الاحتفال. أي أنني وجدت عدداً وافراً من الدارسين الذين لم أصادفهم قط في محلات الدراسة. فحالما دخل المعلم لابساً ثيابه الرسمية، وصعد على منبر الخطابة، أخذ هؤلاء الدارسون يصيحون ضده، ويصفرون ويزمرون ويدبديون بأرجلهم حتى لم يتركوا له سبيلا للفظ كلمة. وكلما رأوا شفتيه تتحرك أو تهم على الحركة أزادوا الضوضاء والصراخات. وفي أثناء ذلك دخل رئيس المدرسة نفسه ليرجوهم أن يستمعوا لهذا المعلم. فما نجم عن دخوله سوى تضاعف مربع الحركة، ولم يلبثوا أن هبط الخطيب من منبره فانفض المجلس).
لا حاجة إلى وصف الخواجا فرنسيس بأنه رجل ساذج فقد (عرته حينئذ جمودة البهتة وصار مهوى لتيار الاقشعرار، وكان قلبه يقابل ارتجاف المحل بارتجاف الرعدة). ولدى خروجه سأل البعض عن (سبب اندفاع هذا البركان البليغ، فقيل له إن هؤلاء الدرسة يمقتون كل معلم يدقق مسايل الامتحان لكونهم لا يدرسون إلا نادراً وقليلاً. ولذلك يريدون عزل هذا المعلم أو تنكيس أعلامه لشدة تدقيقه عليهم في الامتحان النباتي بحيث لا يمكنهم احتمال ذلك لضعف دراستهم). ويغلب على ظني أن السبب في هذا الـ كان سياسياً. وأقرب الحوادث من نوعه إلى أذهاننا مظاهرة طلبة الحقوق ضد البرفسور جيز أيام كان يدافع عن قضية النجاشى في عصبة الأمم. نعم إن قسوة الأستاذ في الامتحان ربما ساعدت