على تظاهر الطلبة، ولكنها لا يمكن أن تكون سبباً بعينها. وما رآه الخواجا فرنسيس يرجع في ظني إلى الشعور الجمهوري الذي كان ينفجر من آن لآخر بعد قلب الجمهورية الثانية وتنصيب البرنس نابليون إمبراطوراً باسم نابليون الثالث
وواضح أن الخواجا فرنسيس رجل قليل التسامح. فهو الدارس - برغم الثلاثين وبلغها - يجاري الرأي العام في الزاوية بالدرسة حتى لينتقد لباسهم. ولا شك أن هذا الحلبي لابس القنباز كان آخر الناس أهلية للحكم على لباس الطلبة في باريس؛ وهذا الشرقي كان آخر من يحق له أن يحجر على حرية الطالب الباريسي؛ ومع ذلك يقول:(والنظر الساذج إلى أولئك الدارسين يوشي بقبح سلوكهم، لأن ملابسهم تعبر عن منافسهم، فهم يلبسون بنطلونات هكذا ضيقة حتى يكاد تتمزق بين أفخاذهم، وسترات هكذا قصيرة حتى لا تخفي شيئاً من الإليتين إلا قليلاً، وشعورهم طويلة منفوشة، وبرانيطهم عريضة كثيرة الانفراج هضيمة الكشح. وكلما كانت البرنيطة تامة في هذا الشكل كان صاحبها أكثر تقدما في ذلك الضرب، حتى تخال البعض من هذه البرانيط نظير غمامة سوداء على رأس حاملها، فمتى لاح هكذا شخص قال الناس: هو ذا الدارس!) فالمعلم فرنسيس يأسف على وجود (هكذا سرب بين دُرس الطب والشريعة أوجب سقوط الجميع من أعين العامة مدة الدراسة مع أن جماعة القسم الأكبر - والذي عليه المعول - لا يسلكون تلك الطريق، بل يسيرون في سبيل مضاد على الخط المستقيم، وعوض أن يطفئوا بمياه الشباب لهبات الشهوات إنما يستقطرونها بأنابيق أدمغتهم المضطرمة بنار الاجتهاد والحمية)
ويستطرق رحالتنا من كلام عن الدرسة المجتهدين إلى ختام وصفه النثري لباريس حيث له حديث طويل عن (بحار التمدن المتدفقة من محابر رجالها، وانهار الأدب جارية من ينابيع أفكارهم) وعن (ممالك الأباطيل والأضاليل، وعروش الحقائق والهدى). ثم يتحدث في لغة سامية عن الفكر (وقوته التي تغلب جميع القوات، ولا تعرف راداً إذا جمحت، ولا صادماً إذا اندفعت). ويضرب لهذه القوة أمثلة أجاد اختيارها حقاً، فهو يقول:(أي قوة أوقفت حركة الأرض بعد ما أدارها غاليلي (جاليلو) على محورها، ودفعها تكر على محيط دايرة البروج. وأي قوة هدمت بناية الإصلاح بعد ما أشادها فكرهوس , وأي قوة أوقعت دوران الدم في أوعيته بعد ما أجراه فكر هارفي مع أن ذلك حبس وذاك حرق (جان هوس