فلما علمت بما أجاء الملكة في سجنها من المخاض، وما تلا المخاض من وضع، ترقرقت دموع الألم في أغوار قلبها من اجل مولاتها، وانطلقت إلى السجن خفية، فقالت لليدي اميليا؛ السيدة الطيبة القلب المنوط بها السهر على الملكة:(أحسبك ياعزيزتي الليدي تشركينني في الألم لما أصاب الملكة!) فلم يكن إلا أن تفجرت الدموع من عيني اميليا جواباً على ما قالت بولينا. . فقالت لها وقد سرها ما رأت من بكائها:(إذن تذكرين لها أنني هنا. . . وأنني مستعدة لان اذهب بالطفلة إلى الملك فأدافع عن هرميون، والقي إليه بابنته عسى إن هو رآها أن ترقق ما قسى من قلبه، وتنير ما تدجى من نفسه، وتظهر له ما خفي عليه من برهان ربه) فأجهشت أميليا، ودعت للسيدة، وشكرت لها مجازفتها، ثم ذكرت أن الملكة كانت تفكر في مثل هذا
ودفعت الملكة بطفلتها إلى بولينا فذهبت بها إلى الملك رغم ما حذرها به زوجها من مغبة الإقدام على هذا الجنون، خشية أن يبطش بها؛ فلما مثلت بين يديه كشفت عن المولودة البائسة فصاحت وأعولت، ثم وضعتها عند قدميه، وانطلقت تدفع عن صديقتها الملكة ما رماها به من الفحش، وطلبت إليه أن يرحم الطفلة بالعطف على أمها. . . وكانت تتدفق في دفاعها كالسيل، وترق في استعطافها كالنسيم، ساكبة أثناء هذا وذاك دموعها تنثرها على كلماتها، وتنضج بها عباراتها، عسى أن يلين فؤاد الملك
ولكن الملك وا سفاه لم يزدد إلا عتوا ولم يزده ما صنعت بولينا إلا استكبارا، فأمر زوجها أن يذهب بها من بلاطه وان يتركاه إلى شيطانه.
ثم دعا الملك إليه انتيجونوس - وهو زوج بولينا - فأمر أن يحمل الطفلة إلى البحر وان يقلع بها ليتركها عند أول شاطئ وديعة مظلومة بين أيدي القضاء والقدر
وأتمر الرجل الغبي بأمر الملك، فحمل المولودة في يديه الجبارتين وألقاها على صدره الصخري، ومضى بها إلى. . . البحر!
وهكذا فصل الملك بينه وبين قطعة فؤاده في ثورة الغضب الجامح، غير منتظر عودة رسوليه بنبوءة أبوللو من دلفوس
ولم يكن بحسبه هذا، بل أمر بقضاة المملكة وذوي الرأي فيها فاجتمعوا في حشد عظيم لمحاكمة الملكة. . لمحاكمة هرميون. . بأعين الرعية، وعلى ملأ من الجمهور