- حزناً على أمه الملكة يا مولاي! لقد هاله أن تقف هذا الموقف لتفضح ظلماً في شرفها وعرضها. . . آه يا حبيبي الأمير. . . آه يا اعز الناس علي!!)
وزاغت الأبصار كلها. . . واستخرط الناس في البكاء. . . ووجم القضاة فلم ينبسوا بكلمة
أما الملكة، أما هرميون المسكينة، فقد ذاب قلبها، ووهى جلدها، ولم تطق أن تسمع أن ولدها الوحيد الحبيب قد لفظ نفسه الأخير وجداً عليها، ورثاء لها، فنظرت إلى الدنيا كأنها تسوخ تحت قدميها، والى السماء كأنها تطوى من فوقها، والى الناس كأنهم عيون ودموع وقلوب كسيرة مفجعة. . . فخرت مغشياً عليها
وانتفض قلب الملك!
وتفجرت في أغواره شآبيب الرحمة، وانسرقت عبرة من عينه تغلي كالمهل لتكفر عن خطيئته. . . فأشار إلى بولينا ومن معها من وصيفات الملكة، فحملنها، وأوصاهن بها خيراً
واخذ الجمع الحاشد يتمزق أباديد
ولم يمض غير قليل حتى عادت بولينا وفي وجهها سحابة حزينة باكية، وفي جسمها رجفة عظيمة، وفي عينيها دموع سخينة حرار. . . وفي فمها نعي هرميون!!
ماتت هرميون إذن، وخلفت هذه الدنيا السمجة المملوءة بالرذيلة وراءها. . . خلفتها للملك المغيار المسكين الذي لم تنفعه أن تتحرك الشفقة في فؤاده حينما سمع بموت وليه ما ميللوس، ولم ينتفع كذلك أن يؤمن ببراءة هرميون بعد إذ رماها بأم الموبقات
وذكر ليونتس طفلته التي نفاها وراء البحر مما جلبت عليه مظنة السوء في أمها من خبال، فصار شجوه شجوين، واعتلج فؤاده بهمين، وود لو يعطي عرشه وملكه لمن يرد إليه المولودة التي لا يعرف لها اسماً ولا يكاد يذكر لها رسماً
ولكن هيهات! فهاهي ذي السنين تمر، والأيام تكر والملك المسكين يتلظى بنار الشجو