الجنوبية في مسألة العبيد وهو يمقت تلك المسألة من أعماق قلبه؛ وإن نفسه لتنفر منها منذ ذهب إلى أورليانز ورأى مالا ينساه من منظر هؤلاء البشر يساقون في الأغلال إلى حيث يباعون في الأسواق كما تباع الدواب
وما أصل تلك المشكلة التي تظهر في ميدان السياسة حيناً بعد حين؟
بدأت مشكلة العبيد من عهد بعيد ولقد كانت تلك المشكلة بعد استقلال الولايات الأمريكية عن إنجلترا من أشد المشاكل خطراً حتى لقد كان الناس يرونها عقبة تحول دون بقاء الاتحاد. جلب التجار منذ بضعة قرون من أفريقيا طوائف من الزنوج باعوها في أمريكا، ورأى سكان الولايات - وجلهم من الأوربيين المهاجرين إليها من أوطانهم - في اقتناء هؤلاء العبيد ما يهون عليهم الكدح في طلب العيش ونظروا إليهم نظرتهم إلى الدواب، فأخذوا يشترونهم ويسوقونهم إلى الأدغال والإحراج يشقونها تحت إمرتهم. ولما كان أهل الولايات الجنوبية أهل زراعة فقد كان اقتناء العبيد عندهم أمراً أساسياً يقوم على الضرورة إذ لا تستقيم حياتهم إلا به؛ ومن ثم لم يكونوا ينظرون إلى مسألة العبيد تلك النظرة الإنسانية التي أخذ ينظرها بعض الناس بعد الاستقلال، فمنطقهم يقوم على المادة ويستند إلى الوقائع، ولا عبرة بعد ذلك بآراء المشفقين العاطفين. . .
ولما أعلنت حقوق الإنسان في مستهل الثورة، كان في مقدمتها أن الناس جميعاً أحرار ومتساوون في الحقوق وليس لأحد أن يسلبهم حقوقهم. وقد أخذ أهل الولايات الشمالية بهذه المبادئ فيما يتعلق بالعبيد فأعتقوهم، ولم يكن السود عند أهل الشمال في الجملة سوى خدم في المنازل، وذلك لأن أهل الشمال كانوا أهل صناعة أكثر منهم أهل زراعة، فلم يكونوا كأهل الجنوب يرون اقتناء العبيد أمراً جوهرياً بالنسبة إلى حياتهم، لا تتطلب زراعة القمح عندهم جهداً عسيراً ومن ثم فلا يتطلب استخدام العبيد؛ ولكن القطن في الجنوب يستلزم اقتناء هؤلاء السود الأقوياء الذين يتحملون الجهد ويقوون على الحر ويرضون بالقليل
وفي غداة الاستقلال هدد أهل الجنوب أهل الشمال أنهم ينسحبون من الاتحاد إلا أن يترك لهم حق اقتناء العبيد قائلين إن السود عندهم ليسوا مجرد رجال بل هم بعض أدواتهم، وخيل للناس أن الاتحاد منفصمة عراه لا محالة؛ وأشفق الزعماء أن يضيع الاستقلال الذي اشتروه بدمائهم وأموالهم؛ لذلك لم يروا بدًا أن يتهاونوا بعض الشيء وأن ينصوا في