القانون أنه لا يسمح بعد عشرين عاماً باستجلاب طوائف من السود من أفريقيا؛ ومعنى ذلك أنهم يسلمون ولو إلى حين لأهل الجنوب بامتلاك العبيد، ويسلمون بذلك في صورة شرعية!
وتزايد إقبال الولايات الجنوبية على اقتناء العبيد حينما ازدادت أوروبا إقبالاً على طلب القطن، وقد أخذت الآلات تعمل عمل الأيدي وعلى الأخص في حلج القطن؛ وكان كلما ازداد طلب القطن ازداد حشد السود لزراعته وجمعه فكانوا يساقون إلى الحقول جماعات تحت إمرة رئيس من البيض، وإنهم لينظرون في فزع إلى ما في يده من سوط طالما ألهب جلودهم فمزقها وأدماها؛ فإذا غابت الشمس جيء بهم كالقطيع فأدخلوا في حظيرة تأويهم جميعاً حتى الصباح. . .
ولم يكن أحد من السادة أهل الجنوب ليسأل عما يفعل بعبيده؛ ولو أنه ساقهم إلى الموت كما يسوق كلابه لما أحس بينه وبين نفسه أنه يأتي أمراً منكراً؛ وكان يمن عليهم هؤلاء السادة أنهم يطعمونهم ويسقونهم كأنما هم يريدونهم أن يعيشوا بلا طعام ولا شراب! ولا تسل عما كانوا يلاقونه من صنوف العذاب إذا بدا لهم أن يظهروا ما ينم على استيائهم أو حتى على مجرد تألمهم لما يصب عليهم من وصب؛ بل ما كانوا يعانونه من بلاء إذا انتشرت الحمى وفشت فيهم وهم جموع متقاربون. . .
وكانوا في الأسواق يحشرون كما تحشر الخيل عارية أجسادهم فيباعون، وكثيراً ما كان ينتزع المرء من أخيه وأمه وأبيه، وكثيراً ما كانت ترسل الفتاة إلى مزرعة وأختها إلى مزرعة وأهلوها إلى حيث لا تعلم لهم مستقراً ولا مستودعاً. ولقد تسنى لابراهام أن يرى هاتيك الأسواق في رحلته إلى نيو أورليانز فاستقر في نفسه الألم؛ وكأنه رأى لساعته أن رسالته في غد تحرير هؤلاء المساكين. وكثير من عظماء النفوس تقع في نفوسهم الفكرة في سرعة كلمحة البرق، وتظل تلك الفكرة وإن لم يشعروا بها في أعماق وجدانهم كالبذرة في أعماق التربة، وما تزال تنمو تلك الفكرة وتنمو حتى تملك عليهم آخر الأمر مشاعرهم فتحركهم وتوجههم حتى لا يكون لهم لغد من أمل في الحياة سوى إبرازها ثم الدفاع عنها، ثم التضحية من أجلها ثم الموت في سبيلها إن لزم الأمر. . .
ذلك ما كان من أمر لنكولن فيما أعتقد، وإن لم يشعر هو في صدر شبابه أنه عامل في غده