هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن يعنى التعليم بغرس الروح الاجتماعية عن طريق (دراسة المشروعات) والجمعيات العلمية والرياضية والفنية التي تسودها روح التعاون والمحبة والتضحية واحترام القانون، ويجب أن يتاح للمدرس من الوقت ما يساعده على الإشراف التام على أعمال هذه الجمعيات و (العيش) فيها كمرشد حكيم؛ هذا مع غرس السرعة والابتكار والذوق في نفوس الطلبة تلبية لحاجات (رجال الأعمال) الذين يريدون كل حاضر البديهة، حكيم التصرف، جميل الذوق وديع المحضر، مطيعاً للقانون:
٥ - التوجيه المهني
ثم لا ينبغي أن يقف الأمر عند ذلك. أن مصر لفي حاجة كبرى إلى توجيه أبنائها توجيهاً سليماً يتفق وميولهم النفسية، ويضمن على الأقل نجاحهم في عملهم وثقافتهم أن لم نقل نبوغهم فيها. والشبان عندنا لا يطرقون أبواب المدارس المختلفة جرياً وراء إشباع ميولهم الشخصية بقدر ما يطرقونها تحقيقاً لمطامعهم القاصرة في مهن محترمة كالقضاء أو الطب أو المحاماة! أليس عندنا من يدخل الحقوق ليكون نائباً أو وزيراً، ثم يفشل أخيراً في موقفه أمام القاضي ويخاطبه كما يخاطب التلميذ الأستاذ؟ أليس عندنا من يدرس الفلسفة ليدعى فيلسوفاً، ثم لا يكون بينه وبين الفلسفة الصحيحة إلا هوة سحيقة من الجهل والاعوجاج؟ كم من مئات الحقوقيين قد أثبت له قدراً في عالم القانون؟ وكم من خريجي التجارة أو الهندسة قد سجل لبلاده فخراً في مجال دراسته الخاصة؟ إنها إذاً لآفة كبرى يجب علاجها علاجاً علمياً صحيحاً ينحصر فيما يسمى الآن (بالتوجيه المهني!) ويستطيع الأستاذ في ذلك التوجيه أن يدرس ميول الطالب الحقيقية لا الوهمية أو المصطنعة، وأن يقدم له النصح والإرشاد على أساس هذه الدراسة يستطيع أن يختبر ذكاءه وميله الأدبي أو الفني أو العلمي باختبارات خاصة يجرونها الآن في أوربا وأمريكا؛ ويستطيع أن يلاحظه ويدرسه عن كثب طيلة أعوام الدراسة ليضم إلى نتائج هذه الاختبارات درايته الشخصية؛ ويستطيع أن يقول له أخيراً عليك بالآداب أو الحقوق أو الطب أو الصناعة أو التجارة، لأنك لا تليق ولا تنبغ، ولا توفق ولا تسعد، إلا في ذلك الذي دلتني عليه دراستي العلمية وخبرتي الشخصية؛ ثم يستطيع باتصاله بذويه أن يسدي لهم النصح في مستقبل ولدهم حتى لا يقفوا عثرة في