وتصادق المترجم له مع إبراهيم بك ادهم صاحب جريدة (الحقائق) التي كانت تصدر في استانبول، فكان ينشر فيها وصف جلال الموكب السلطاني في كل مرة يذهب فيها لتأدية فريضة الجمعة
ومكث إبراهيم بك في وظيفته هذه عشر سنوات تقريباً من سنة ١٨٨٥هـ - ١٨٩٥م. حدث في أثنائها أن كتب بعض الجواسيس إلى السلطان عبد الحميد تقريراً جاء فيه أن إبراهيم بك لا يزال يراسل الجرائد في مصر خفية بما لا يتفق وسياسة السلطان! فما كان من جلالته إلا أن أرسل إلى صاحب العطوفة (كامل بك) ناظر الضبطية لاستجواب صاحب الترجمة والتحقيق معه فيما وصل إلى السلطان
ولقد كان هذا الجاسوس صادقاً في تقريره. وهكذا كانت خطة إبراهيم بك في جميع مراحل حياته السياسية لا يعرف التملق ولا التزلف، ولم تُحِده تلك الرتب والإنعامات الشاهانية عن طريقته المثلى في حبه لمصلحة البلاد والدفاع عنها وانتصاره لها
وقد رأى شطط السياسة من جراء ما يزينه الملتفون حول عرش جلالته، فأخذ ينشر مقالاته الانتقادية في المقطم، وكان يذيلها بإمضائه المستعار:(أحد العثمانيين الأفاضل)
وكان إبراهيم بك في اليوم الذي قبض عليه فيه يحمل مسودة مقالة كان يريد نشرها، فأسقط في يده واخذ يجهد فكره في التخلص منها بأية وسيلة! واتفق أن كان الناظر في هذه الساعة مشغولا بتحقيقات أخرى - وما اكثر التحقيقات في الآستانة - فأمر بإبقائه في غرفة تجاور غرفة التحقيق ريثما ينتهي من استجواب الذين بين يديه
ففكر إبراهيم بك، وهو المنعزل في الغرفة، أن يتخلص من المقالة التي في جيبه خشية تفتيشه، فهم بحرقها، فحدثته نفسه أن رائحة الدخان قد تبعث الشك في إدانته، كما خشي تمزيقها خوف وصول بعض وريقاتها إلى بعض الجواسيس المنتشرين بدار الضبطية. وبينا هو في شغل شاغل إذ سمع صياح ديك فنظر حوله فرأى نافذة صغيرة بحواجز حديدية، ففتح زجاجها وأطل من بين قضبان النافذة فرأى ذلك الديك وحوله أفراخ كثيرة ينقرن في الأرض بحثاً عن القوت؛ فما كان منه إلا أن أخذ يقطع الورقة قطعاً صغيرة ويضعها في فمه حتى تمتزج بلعابه فيمضغها حتى تصير على شكل الحب ثم يرمي بها إلى الأفراخ فتتسابق إلى ابتلاعها حتى أتت على آخرها، واغلق النافذة وحمد الله