الوحوش وهي تفترس أجسام الأحياء وتمزقها تمزيقاً، ورؤية حرق الأحياء كما كان المسيحيون يُحرَقون. ولم تكن مظاهر القسوة في الحضارة مقصورة على حضارة أوربا الوثنية، بل كانت على أفظع شكل حتى عند المتدينين من القائمين بأمور محاكم التفتيش الذين كان بعضهم يبكي رحمة بمن يعذبونهم فلا يزيدهم بكاء الرحمة إلا رغبة في تعذيب ضحايا تلك المحاكم اعتقاداً أن ذلك التعذيب وأن تلك القسوة رحمة بالضحايا. ويقولون إن تعذيبهم في الحياة الدنيا يقلل من عذابهم في الآخرة، فيكون تعذيبهم في الحياة الدنيا رحمة بهم. ولم تكن مظاهر القسوة مقصورة على طائفة دينية دون الطوائف الأخرى بل اشتركوا فيها جميعاً. كما أن القوانين التي كانت تطبق في الأمور غير الدينية كانت مثقلة بروح القسوة والتعذيب. ومن العجيب أن المؤرخين الذين ينعون على الدولة الإسلامية تنفيذ الحدود ينسون أن القوانين الأوربية والمحاكم الأوربية كانت إلى قبيل الثورة الفرنسية توقع عقوبات هي نفس الحدود التي ينتقدونها في الدولة الإسلامية. فإننا نقرأ في مؤلفات ماكولي وغير ماكولي من المؤرخين عن قطع الأيدي وجدع الأنوف وصلم الآذان وغير ذلك من أجزاء الجسم، وقراءة وصف العقوبات التي وقعت بعد فشل ثورة دوق مونموث تكفي للدلالة على أن المؤرخين ينسون ما كان فيا لحضارات الأوربية من مظاهر القسوة عند ذكرها في الحضارات الشرقية. فإننا نقرأ كيف كانت أجسام الأحياء تقطع وتنصب أجزاؤها على النصب والمباني والأعمدة وعند ملتقى الطرق، فمن رءوس وأحشاء وأرجل وأيد منصوبة نتنة كانت تفسد الهواء في إنجلترا بعد ثورة دوق مونموث وغيرها من الثورات الفاشلة. والمستعمرون الأوربيون في أمريكا حتى المتطهرون منهم لم يقصروا في مظاهر القسوة. وقد استعرض فان لون المؤرخ الأمريكي مظاهر القسوة في الحضارة الأوربية والأمريكية في كتابه المسمى (تحرير الإنسانية) ولا تزال آلات التعذيب في المتاحف الأوربية الخاصة بها تدل على أن النفوس في أوربا لم تكن أقل قسوة من النفوس في الشرق؛ ولا نريد ذكر هذه الحقائق للغض من فضل الحضارة الأوربية. وإنما نريد تصحيح ما يشيعه بعض المؤرخين بحسن نية أو بسوء نية فيظل ما يقولون ويؤدي إلى تخليد النفس الإنسانية، وربما كانوا أبعد الناس عن الرغبة في تخليدها
والحقيقة أن النفس الإنسانية إذا غضبت قست وأجرمت حتى ولو كان غضبها للحق أو