للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

زنجبار

وأمسى ديواننا في القطار قريب الشبه بالغرفة التي يجلس فيها احمد رامي بدار الكتب المصرية، الغرفة التي ترق فيها الدندنة وتشتبك حتى لتحسبها خيوط العنكبوت، الغرفة الجذابة التي يحرم دخولها على احمد الزين ثم يحل ويباح لمن يسألون عن رباعيات الخيام أو تأملات لامرتين

وظالم ورامي يشتركان في صفات كثيرة أهمها تشويه الوجه ورخامة الصوت

- يا سيد ظالم!

- نعم، يا سيدنا ألبيه!

- هلم بنا إلى العشاء

- عشاء إيه، أنت عاوز تخرب جيبك؟

- أخرب جيبي؟ وكيف؟

- العشاء في القطار غال جداً

واعترض الدكتور القصاب فقال: أما يسرك أن تصنع مثل الذي كنت تصنع في قطار ليون!

- لا بأس إذن تنتظر إلى أن يقف القطار في المحطة المقبلة

وفي المحطة تقدمت فلاحة في خمار اسود ومعها ماعون هائل من اللبن الرائب، فاشتريناه بعشرة فلوس، وتقدم طفل، وفي يده رغيفان؛ فساومناه، فاشتط في الثمن، فقاومناه، فقبض على الرغيفين بأسنانه والقطار يمشي، فرميناه بعشرة فلوس ونزعنا من أسنانه الرغيفين!!

ما اظرف العبث في قطار البصرة وما أحلاه؟

وفهم الرفيقان أني ميت من الجوع فلم يأخذا من الطعام غير لقمتين

وما كاد الطعام يستقر في جوفي حتى هجم النوم هجوما لم أشهد مثله منذُ أعوام طوال، فعرفت أن ذلك اللبن الرائب أراح أعصابي، وهي أعصاب أرهقها النضال وسهر الليالي

اتكأت على المرفقة ونمت وأنا جالس، نوماً شهياً جداً، ولم يعكر نومي غير الجدل السياسي الذي أثاره الدكتور القصاب مع رفيق غاب عني اسمه، وكانا يتحدثان عن المعارك الحزبية في دمشق

<<  <  ج:
ص:  >  >>