فنظرت من نافذة القطار فإذا صاحبة العينين في سيارة مغروزة في الوحل
وهممت في النزول من القطار لأُرى هذه المرأة كيف أنفع في لشدائد!
ثم تذكرت أنني أيضاً في سيارة مغروزة في الشوك، هي سيارة الحب
ونظرت إليّ المرأة نظرات الملهوف
ونظرت إليها نظرة الغريق
نظرتْ ونظرتُ، ثم نظرتْ ونظرتُ
وأنقذ القطار الموقف فسار لا يلوي على شيء
- دكتور، دكتور
- نعم، نعم
- أنظر، أنظر
ففتحت عينيّ فإذا الشمس أشرقت وإذا سرب من الظباء الوحشية يجول في البيداء، وهي أول مرة أرى فيها الظباء الوحشية ذات الأجياد والعيون
أتكون هذه الظباء الوحشية هي البشير بالاقتراب من الظباء الإنسية؟
هو ذلك، فلم يبقى بيننا وبين الأنس بوجوه أهل البصرة غير ساعتين
الله وأكبر ولله الحمد!
هذه هي البصرة، هذه هي البصرة، وما تخونني عيناي
هذا هو البلد الطيب، بلد المبرد، المبرد صاحب الكامل في اللغة والأدب والنحو والتصريف
وبفضل الكامل للمبرد وصلت إلى منصب الأستاذية في الأدب العربي؛ وبفضل الكامل للمبرد صحبت الشيخ سيد المرصفي سبع سنين؛ وبفضل الكامل للمبرد استطاعت القاهرة أن تزاحم البصرة، فسيذكر التاريخ أن الأزهر جلس على حصيره الممزق رجل أعلم من المبرد، هو الشيخ سيد المرصفي أستاذي وأستاذ الأساتذة طه حسين وعلي عبد الرزاق واحمد حسن الزيات، وأول أستاذ تصدر لتدريس الأدب بالأزهر في العصر الحديث