وكانت فرصة تذكرت فيها الزميل الغالي علي جارم بك، فعهدي به يهرب مني، لأني كنت أرجو أن ينقلني بسيارته من وزارة المعارف إلى محطة المترو، وكان ذكاءه يسعفه بالهرب مني، فكان يقول: يا دكتور زكي، أنا رائح عند العشماوي بك، ثم يروح ولا يعود!
ولما قدم الجارم بك بغداد كنت انتظر أن ينتفع بخبرتي فيسألني عن الحياة العلمية والأدبية والفلسفية، ولكنه لم يسألني إلا عن شيء واحد؛ لم يسألني والله العظيم إلا عن أسعار البنزين في بغداد!!
نحن في البصرة
إي والله، نحن في البصرة
وفي تلك المدينة تسأل سيدة نبيلة عن طبيب ليلى المريضة في العراق
وتطلب أن تراني وحدي، فاذهب إليها وحدي ولا يكون معنا ثالث غير زوجها الشهم النبيل
ويدوم المجلس ساعات وساعات في جدل هو أنظر واشرف ما عرفت العقول
وتجري على لسان تلك السيدة ألفاظ يوحيها روحها الشفاف فيبتسم زوجها وهو جذلان
وفي غمرت تلك النشوة انظر ساعتي فأرى الموعد أقترب للمحاضرة التي دعاني إليها سعادة الأستاذ عبد الرزاق إبراهيم مدير المعارف بالبصرة. وتمد تلك السيدة يدها لتوديعي فأبكي لأني لا أضمن الرجوع إلى البصرة، أنا الطائر الغريب الذي لم ينعم في البصرة بغير سواد العيون في غفوة الزمان، وهو لا يغفو في العمر كله غير دقائق
وبعد لحظات أكون في نادي البصرة فأرى الناس في انتظاري بالمئات، إن لم أقل بالألوف. وهناك أرى فتاة جميلة هي بنت عمة ليلى، فتسرع إلى لقائي بعد انتهاء المحاضرة وهي تقول: حافظ على شبابك يا دكتور، فإني أخشى أن يؤدي التأليف بشبابك
فأتلطف وأقول: لا تخافي على شبابي يا بنيتي، فهو باق ما بقيت عيون الظباء
وتشجع الفتاة فتقول: أخشى أن يقتلك التأليف!
فأتشجع وأقول: لا تخافي عليّ يا بنيتي فأنا لا أخاف الموت، وإنما يخافني الموت
ويروعها ذلك فتقول: وكيف؟
فأجيب: لأن الموت جبان وهو يخشى أن أكتب ضده في الجرائد والمجلات!
أفي الحق أنني زرت البصرة ورأيت شط العرب، ونعمت بكرم السيد تحسين علي،