كثير من الزوجات. . . تفعل ذلك وإن كان زوجها ليطلع على الناس في حلل تطاول عليها العهد وقبعة متضعضعة متغضنة؛ على أنها تراه في ذلك هو الملوم، فهي ما زالت تهيب به أن يغير من عاداته وأن يعنى بهندامه، وهو لا يحفل إلا النظافة، حتى أنها لم تجد بدَّا آخر الأمر من أن تسكت وهي كارهة. . .
ولقد كان يهرب من المنزل أكثر الوقت، فيقضي النهار كله في محل عمله أو يقضي طرفاً من في أنحاء المدينة في بعض المنتديات أو في بعض الحوانيت، يتحدث إلى هذا ويسأل ذاك عن حاله، ويستشيره هؤلاء في أمر قضائي، ويعقد غيرهم حوله حلقة يتساقطون فيها الحديث، ثم يعود إلى منزله فيمضي الوقت في القراءة أو في ملاعبة أولاده؛ وإنه ليحذر في هذه الملاعبة أن تدخل زوجه الحجرة فجأة فتراهم يركبون ظهره وهو يزحف بهم على البساط، فتصرخ وتعكر عليهم صفوهم!
عجيب أمر تلك المرأة التي تحب بعلها وتعلي قدره ثم هي لا تفتأ تمد له من أسباب الشحناء والشقاق ما يخيل إليه أنها تبغضه، لولا أنه يعتقد أنها ما اختارته زوجاً - على الرغم مما وقع يومئذ منه في حقها - إلا لما تضمر من محبته والإعجاب به. . .
دخلت عليه مرة ومعه رجل من أصحابه، فسألته عن أمر كانت طلبت إليه قضاءه، فلما علمت أنه لم يقضه عنفته وولت محنقة فجذبت الباب وراءها فأحدث ضجة مزعجة؛ ونظر لنكولن إلى صاحبه وقد قرأ في وجهه الدهش، فقال وهو يبتسم ليخفي بابتسامته ما به: إن الأمر هين، وإن هذه عادة امرأته مردها إلى حدة مزاجها ولن يكربه ما فعلت بالباب فلعله يكفكف من حدتها
هذا طرف من حياة لنكولن في سبرنجفيلد بعد أن عاد من وشنجطون، وبعد أن انتهت الدورة الثامنة لطواف الهيئة القضائية في تلك الأصقاع؛ وإنه ليتطلب مخرجاً من هذه المدينة وما كان له من مخرج إلا أن تستثيره السياسة من جديد. . .
وآن للسياسة أن تدعوه إليها، وقدر لتلك الدعوة أن تجئ عن معضلة العبيد، فلقد باتت تلك المعضلة وهي كبرى المسائل القومية لا مناص من مواجهتها إذ صارت تحمل في تضاعيفها كل ما عداها من المسائل
ازداد ثراء أهل الشمال بسبب الصناعة، واتسع نطاق التعليم عندهم، وقوي نفوذهم