وتسامت إلى الحياة نظرتهم، لذلك شاعت في الشمال حركة الدعوة إلى تحرير العبيد وتعالت أصوات الداعين واشتدت على الأخص حركة المنادين بالا يسمح بعد بانتشار العبيد في ولايات جديدة
وبقى أهل الجنوب أهل كسل وخمول، لا تزال حياتهم تقوم على الزراعة، والزراعة عندهم تقوم على أيدي العبيد، وازداد طلب القطن فاشتدت الحاجة إلى العبيد؛ لذلك ازدادت في الجنوب حركة التمسك بالعبيد، واشتدت على الأخص حركة المنادين بوجوب السماح للعبيد بالانتشار فيما عساه أن يضم إلى الاتحاد من ولايات
وماذا يخيف أهل الشمال من انتشار العبيد؟ إن للمسألة وجهاً آخر إلى جانب الوجوه الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وجهاً لا يقل خطره إن لم يزد عن هاتيك الوجوه؛ وذلك أن التمثيل النيابي في أحد مجلسي الاتحاد، وهو المجلس الأدنى، كان قائماً كما رسم الدستور على قاعدة لمسألة العبيد فيها دخل كبير؛ وذلك أن كل ولاية كانت ترسل إلى ذلك المجلس من الممثلين عدداً يصغر أو يكبر حسب عدد سكانها. ومن عجب الأمور أن العبيد، ولم يكن لهم حق في شئ حتى في أنفسهم، قد أقيم لهم وزن في هذا الباب فقيس عدد السكان في الولايات بما يقطنها من بيض وعبيد على أن يعد كل خمس من العبيد بثلاثة من البيض؛ ومعنى هذا أن انتشار العبيد يزيد عدد ممثلي الولايات الجنوبية في المجلس الأدنى للاتحاد؛ أما في المجلس الأعلى (مجلس الشيوخ) فكان يمثل كل ولاية عضوان صغرت تلك الولاية أو كبرت. . .
ولقد كان أهل الشمال في الأصل أكثر عدداً من أهل الجنوب فكانت لهم بذلك أغلبية في المجلس ولكنها كانت أغلبية صغيرة؛ ولقد أخذ عددهم يزداد كما ذكرنا فظلت لهم الغلبة؛ ولكن أهل الجنوب يريدونها أن تكون لهم ولن يتسنى لهم ذلك إلا بانتشار العبيد
لذلك نرى أن معضلة العبيد كبرى المعضلات وأنها ناجمة من عوامل أساسية ترجع إلى كيان الاتحاد نفسه ولمن تكون السيطرة فيه: لأهل الشمال أم لأهل الجنوب؟ وهما قسمان متباينان مزقت بينهما عوامل البيئة، هذا إلى ما في المعضلة من عناصر خلقية إنسانية لها نصيبها من الخطر والاعتبار
ولما تقدمت بالاتحاد السنون أصبحت مسألة العبيد بحيث أن أدنى اضطراب فيها يؤدي إلى