للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قليلاً عند مختتم القرن التاسع عشر. إلا أنها شقت طريق أدب العصر، وخلفت مذهباً آخر هو مذهب الـ (ما وراء الواقع). بل إنك ترى الأدب والفلسفة وعلم النفس والموسيقى والفن حتى الرقص تجري اليوم إلى غاية واحدة، وكل واحد منها يؤثر في الآخر. وكان بودي أن أشير إلى كل هذا حتى يأتي اليوم الذي فيه يتاح لي أن أكتب رسالة ضافية فأشرح هذا الجانب من الثقافة الحديثة. ولكني أخشى الإطالة وأكره أن يتطرق الملل إلى قراء (الرسالة) وجل ما أثبته اليوم أن الظاهرة الغالبة على آداب هذا العهد وفنونه في بلاد الفرنجة إنما هي الرغبة في الفرار، لا الفرار من الدنيا أنفةً ومرضاً نفسانياً عل النحو الابتداعي (الرومنتيكي)، ولكن الفرار من المنقول والمصطلح عليه، ومن القواعد القائمة والصناعة الموقوفة، ومن العالم المتناسق المختلق اختلاقاً بكد أذهاننا، ومن الطبيعة البشرية الموثوقة، ومن العقل المتصلب والمنطق المتجمد واليقين الملفق

أتدري لمَ قلت: (. . . إذا شئت)؟

إني أردت أن أستدرك، محاذرة أن ينصرف ذهن القارئ إلى الطريقة الرمزية الأولى خاصة. وقد أضأت هذا الاستدراك بخمس صفحات بسطت فيها وجهة الأسلوب الذي أجريت عليه المسرحية، فجاء حديثي عن الفلسفة والأدب كالتأسيس، وكلامي على التصوير والموسيقى والرقص كالتمثيل. ثم إني لم أعرض لتاريخ الرمزية لأن التوطئة رسالة فنية لا شأن للنقد فيها. على أن ذلك الأسلوب إنما هو أسلوب (انساق له قلمي ورفت إليه نفسي بعد التحصيل والروية والاجتهاد) وإن كان متأثراً بالرمزية الأولى ولا سيما بالمذهب الذي خلفته. وهذا الذي حملني على أن أختار لفظة (الرمزية) دون غيرها فضلاً عن أن المسرح الحديث لا يزال يحمل هذه اللفظة عنواناً له

حقاً إن الرمزية الأولى كانت قد أوحت مسرحيات مثل (لبول فور) و (لميترلنك) (لجاري) مثلت كلها في ' ' غير أن المسرح الحديث وإن سماه أهل الفن (المسرح الرمزي) من باب الاصطلاح لينهض على عناصر تزيد على التي عرفتها الرمزية الأولى: ينهض على نتائج علم النفس الحديثة (تجارب (شاركو) في التنويم والإيهام، و (ريبو) في أمراض الذاكرة والإرادة الشخصية، و (فرويد) في أحوال العقل الباطن، و (برجسون) في تغلب المضمر الذي في النفس على البارز) ونظريات الفلسفة (الإدراك بالبصيرة لا بالعقل

<<  <  ج:
ص:  >  >>