للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن قبل تذكر المجنون في هذا المكان ليلاه:

وداع دعا إذ نحن بالخيْف من منى ... فهيج أطراب الفؤاد ومن يدري

دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً كان في صدري

وهذا العرجي - وغفران له - يقول:

في الحج إن حجت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج؟

وأنا أقول ما قال عطاء حين استوقفه ابن سريح فغناه أبياتاً منها بيت العرجي قال:

(الخير كله والله بمنى، لا سيما وقد غيبها الله عن مشاعره)

والعرجي هو القائل:

عوجى عليّ فسلمى جبرُ! ... فيم الوقوف وأنتم سَفر؟

لا نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النفر

ورحم الله جريراً! كان أرشد من هؤلاء: لقيه الفرزدق بمنى فأنشده:

فإنك لاقٍ بالمنازل من منى ... فخاراً؛ فخبرني بمن أنت فاخر؟

فقال جرير: (لبيك اللهم لبيك)

نبهتني تلبية جرير فقلت: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك الخ كم في هذه الخيام من قلوب وردت هذه المشاهد ورود القطا الظماء! وكم من نفوس هجرت خفض العيش إلى مشقة الأسفار، وغربة الديار لتنعم بالذكر والتوبة في هذه البقاع المقدسة. لو نفض كل قلب هنا آماله وآلامه لسامت هذه الحبال جبال من أحزان البشر وأمانيهم حملها أصحابها إلى سدة الخالق العظيم يستغفرون ويتضرعون، ويسترحمون ويتذللون. سرائر لو اجتمعت في هذه الساعة لتمثل فيها تاريخ البشر. لو اجتمعت! لو تشاكى أصحابها وتناجى أربابها! لو تشاكى المسلمون في هذه البقعة وبث بعضهم لبعض خبايا قلبه، وتشاوروا فيما يحز بهم! أجل، هذه خيام مجتمعة، وجماعات مختلطة، وبينها تعارف وتزاور، ولكن أين هذا مما يريد الإسلام ونريد؟ لابد أن ييسر لكل حاج السير والزيارة، ويمكن من أن يلقى من يشاء حين يشاء. إن مئات الآلاف من الحجاج لا تتيسر لهم مقاصدهم ولا تكفل راحتهم إلا في نظام دقيق وترتيب حسن. وذلك لمن شاءه جد يسير. وعلى المسلمين جميعاً أن يعملوا له. لماذا لا يكون في منى مجمع مسقوف يسع الحجاج جميعاً يقفون أو يجلسون في راحة

<<  <  ج:
ص:  >  >>