وهذا هو الكلام الذي يعتبر رد العقاد عليه (سباباً وشتيمة)!
ومثل هذه الآراء الغريبة تثير الحنق وتستفز النفوس، ومع هذا فسأحاول أن أناقشها بهدوء، وأن أخلص منها إلى البرهنة على ما سبق أن أسلفته من رأي في الرافعي
فأما المثال الأول فما أدري ماذا أسميه إن لم أقل عنه:(إنه إفحاش) أو إنه (سباب وشتائم) بتعبير أصدقاء الرافعي وهو وأمثاله يؤلف نصف النقد في أوائله وأوسطه وأواخره، فلنمر عليه مر الكرام
وأما المثال الثاني فهو مصداق رأيي في أن الرافعي أديب الذهن لا أديب الطبع، وأنه تنقصه (العقيدة) التي هي وليدة الطبع.
أو. لا. فأي (طبع) سليم يتجه إلى تفسير بيت عزلي في معرض إعجاب شاعر بحبيبته، واستغراق في شمول شخصيتها بأن (كل موجود) هو البق والقمل والنمل. . . الخ)؟ غافلاً عما في هذا الإحساس من (حياة) و (استكناه) لجوهر الشخصية، و (خيال بارع) تثيره طبيعة فنية، فيرى في هذه المرأة من متنوع الصفات ومختلف النزعات وشتى المزايا، عالماً كاملاً من كل موجود وموعود؟
أحد أمرين:
إما أن الرافعي ضيق الإحساس مغلق الطبع بحيث لا يلتفت إلى مثل هذه اللفتات الغنية بالشعور
وإما أنه يدرك هذا الجمال، ولكنه يتلاعب بالصور الذهنية وحدها، غافلاً عما أحسه وأدركه
وهو في الحالة الأولى مسلوب (الطبع)، وفي الثانية مسلوب (العقيدة). فأيهما يختار له جماعة الأصدقاء؟
والمثال الثالث فيه تلاعب وروغان، وهو في هذه المرة (التلاعب) أخس من السابقة. ففي الأولى كان تلاعباً بصور ذهنية، وهو هنا تلاعب ألفاظ لغوية!
أولاً فمن ذا الذي يغفل عن طرافة هذا (الخيال) الذي يتصور (قزحاً) ملقياً بقوسه لهؤلاء الحسان، وهن يتناهبن هذه الأسلاب، بينما هو مدبر منصرف، مغلوب على أمره، لا يستطيع النصفة ممن غلب جمالهن جماله!