فقالت وعيناها تقذفان بالشرر المتوقد: لن تقبل ثغر الحية.
فانزعجت وعرفت أنه وعيد
وانقضت السهرة في كلام تافه، وعند الانصراف لم تسألني ليلى متى أرجع؟
آه، ثم آه!
كانت ظمياء خدعتني حين قالت إنها وصلت مع ليلى إلى القاهرة في آذار شهر الأزهار والرياحين، فقد عرفت أن آذار القاهرة غير آذار بغداد. عرفت بالتجربة أن العراقيين على حق حين يحكمون بأن (آذار، شهر الزوابع والأمطار) فقد قضيت هذا الشهر في كروب وأحزان
ولكن أي كروب وأي أحزان؟
كنت أذهب لتأدية الدروس في الصباح، وكنت أذهب بعد العصر إلى المطابع لأصحح تجارب كتابي، ثم ارجع قبيل المغرب إلى البيت لأعاني وحشة الليل، الليل الهائل، ليل بغداد
وزاد الكرب أني انقطعت انقطاعاً تاماً عن المصريين والعراقيين
انقطعت عن المصريين للسبب الذي شرحته في كتاب (ذكريات باريس) وهو سبب يؤذيني أن أسجله مرة ثانية في هذه المذكرات، وأنا في الواقع أنسى مصر حين أفارق مصر، لأني أفهم أن مصر حين ترسلني إلى باريس أو بغداد لا تريد إلا أن أفهم باريس أو بغداد. ومصر لا تلعب، فهي تحب لأبنائها أن يفهموا روح الغرب وروح الشرق، وأنا فيما أزعم مصري تحبه مصر، وإن كانت لا تلقاني بغير العبوس
وانقطعت عن العراقيين لأن حسابي عندهم أثقل من الجبال. ولن أنسى السهرة التي قضيتها في منزل السيد محمد حسين الشبيبي فقد قضيت ثلاث ساعات وأنا أتدفق كالسيل دفاعاً عن الآراء التي أذعتها في مؤلفاتي، وآذاني ذلك الجهد فمرضت يومين