كنت أدخر ليلى لأيام الشقاء، وهي الآن في تغضب وتعتب.
كانت ليلى تقول حين أهم بالخروج: فراقك صعب سيدي،
وهي اليوم لا تقول شيئاً من ذلك ولا تسأل متى أرجع
كانت ليلى تقول: (ليش ما جيت عندنا من زمان يا دكتور؟)
وهي اليوم تسأل فيما أظن - وبعض الظن إثم - متى أرحل عن بغداد
عافاك الله يا ليلى وأسبغ عليك نعمة العافية!
تباركت يا ربي وتعاليت
فما عانيت في حياتي بلاء إلا رأيت ما يصحبه من محمود العواقب.
فبفضل تغضب ليلى وتعتبها عرفت سراً من اغرب الأسرار، عرفت كيف ظل العراقيون أكثر من ثلاثمائة سنة يغنون هذين البيتين:
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبداً ليست بذات قروح
أباها عليّ الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
لقد هدني غضب ليلى فلم أعد أعرف للحياة أي مذاق، وجزعت على ما صرت إليه أشد الجزع، فهذا الربيع يفيض على أرجاء العراق أرواح الابتهاج والانشراح، وقلبي وحده يعيش بلا ربيع
وجاء (نيسان، شهر الزيادة والنقصان) فلم يهش له قلبي، وبقيت أعاني ألم الوحشة والانفراد
كنت أستطيع غشيان بعض الملاهي لأنسى همومي وما في ذلك ما يضيرني، فقد كان السيد جمال الدين الأفغاني يجلس في قهوة متاتيا بالقاهرة يوم كان الجلوس في مثل تلك القهوة شيئاً غير لائق، وكان يقول: من حق الفيلسوف أن يجلس في قهوة متاتيا، وأنا دكتور في الفلسفة ومن حقي أن أجلس في قهوة متاتيون!
ولكن ملاهي بغداد فيها أغانٍ وألحان، وقد صرت بعد غضب ليلى مرهف الحس إلى حد مفزع، وأخشى أن أسمع الغناء مع الناس فتفضحني عندهم دموعي
وكان يتفق أن أسمع المذياع من حين إلى حين فأتوهمه يدمدم:
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبداً ليست بذات قروح