تنتشر وسط الاضطهاد والمذابح، في مختلف الأنحاء: في مصر وبلاد الحبشة وفي نجران من بلاد اليمن. وكيف قام يهود اليمن فذبحوا نصارى نجران. وجاء الأحباش إلى اليمن ليثأروا من اليهود. وكيف بقى ابرهة الحبشي حاكما على اليمن، ثم حاول أن ينشر النصرانية فيها وفيما جاورها من الأقطار. وهكذا اقبل على الحجاز بجيشه وفيلته. وأراد أن يدمر الكعبة فرده الله ودمره هو وجنوده. وفي تلك السنة ولد الصبي اليتيم محمد بن عبد الله.
كان لابد للمؤلف أن يبتعد عن السيرة قليلا، لكي يشرح لنا كل هذه الحوادث، واضطر لان يقوم بهذا الشرح في خمسة فصول (من السادس إلى العاشر)، تحس أثناء قراءتها أن المؤلف يكتب في شيء من السرعة والإيجاز، كأنما يخشى أن يطول غيابه عن مكة وأهلها، وعن السيرة وما يحيط بها. فهو يريد أن يسرع بالعودة اليها. وهو لهذا إلى أن مضطر يلخص الحوادث، على خطورتها (تلخيصا) ويكتفي في بعض المواضع بأن يلم بها إلماما. ولقد هممت بأن أؤاخذه على هذا لولا أني ذكرت أن المقام لا يحتمل الإطناب، وأن الإسراف في نقش الإطار يحجب جمال الصورة ويضعف تأثيرها.
برغم ذلك كله فأن في هذا الوصف العجل للحالة الروحية في الشرق قطعا هي آية في دقة الخيال والتصوير. وإن كان لابد من الاستشهاد فلنذكر للقارئ على سبيل التمثيل تلك القطعة التي يعرض علينا فيها آلهة اليونان فيرينا أوبولو والمريخ وأرتيمس وأثينا، وقد اجتمعوا لينظروا فيما عساهم يفعلون؛ فلم يلبثوا أن أجمعوا أمرهم على أن يرحلوا عن الديار التي سادوا فيها زمنا طويلا، وتحكموا في أهلها قرونا، وقد آن لهم أن يتراجعوا أمام هذه الآيات السماوية الجديدة التي محتهم ونسخت دينهم.
بمثل هذا الحوار الشعري الجميل يصف لنا المؤلف كيف زالت الوثنية اليونانية وحلت محلها اليهودية والنصرانية. وهذه القطعة وحدها تشهد بأن المؤلف قد رزق النصيب الأوفر من خصوبة الخيال، والمقدرة على إلباس الحادث العادي ثوباً شعرياً رائعاً.
وهناك فائدة أخرى استفادها المؤلف في موقفه (على الهامش) ذلك أنه استطاع إلا يتقيد بالترتيب الزمني للحوادث؛ فإذا بدا له أن يسهب في وصف شخصية راقته وأعجبته اندفع في وصفها إلى النهاية، لا يلفته عن ذلك حادث أو خطب. فقد اعجب، مثلا، وحق له ان