راحوا ينظرون في بعض أوضاع الموسيقى العربية بدراية، كما أني لا أجهل أن فئة من المستشرقين كتبوا رسائل عالجوا فيها تاريخ الموسيقى العربية وخصائصها، أذكر منهم: ولاسيما
ولكن النظر في أوضاع الموسيقى العربية والإلمام بتاريخها وخصائصها لا يزالان على شيء من الاضطراب. ذلك بأن المصادر العربية الخاصة بالموسيقى تكاد تكون كلها مطوية. وأعني بالمصادر هنا تلك التي أجراها أصحابها على الطريقة العلمية. وأما المصادر الأخرى وعلى رأسها كتاب الأغاني لأبي الفرج فإنما تسوق الأخبار المتصلة بالموسيقى وإن اندست في تلك الأخبار مصطلحات وفوائد علمية
والحاصل أن في نشر أمات تلك المصادر خيراً وأن في بحثها بحثاً مطرداً فائدة جليلة. كل هذا لم يفطن له معهد الموسيقى العربية القائم في مصر لأنه بينه وبين العلم الخالص أشياء، ولكن الذي فطن له رجل أجنبي عنا هو: البارون رودولف ديرلانجيه رحمه الله
وضع البارون خطة سديدة إذ رأى أن ينقل المؤلفات الجليلة إلى اللغة الفرنسية ثم يلحقها بمجمل شامل يعرض نواحي الموسيقى العربية علماً وعملاً.
وقد ظهر المجلد الأول من هذه المجموعة سنة ١٩٣٠ مطوياً على الجزء الأول والثاني من (كتاب الموسيقى الكبير) للفارابي وهذا المجلد الثاني فيه الجزء الثالث من كتاب الفارابي ثم رسالة في الموسيقى من كتاب (الشفاء) لابن سينا. ويتناول الجزء الثالث من كتاب الفارابي التأليف الموسيقي من لحن وإيقاع وقرع ومن الجموع الكاملة والناقصة والمتلائمة والمتنافرة. وأما رسالة ابن سينا ففيها مباحث في الصوت وسببه وثقله وحدثه، وفي الأبعاد وتقسيمها وتجزئتها وتضعيفها، وفي الإيقاع وفي الشعر وأوزانه
ثم إن في مختتم هذا المجلد حواشي يشرح فيها بعض الملتويات ويلوح فيها إلى الأصول اليونانية
وعسى أن يواصل أصحاب البارون ديرلانجيه وأعوانه نشر المجموعة، فالعالم العربي المهذب يرقب رسائل الكندي صفي الدين وعبد الحميد اللاذقي وغيرهم. ولا يفوتني أن ارغب إلى من سيتم نشر المجموعة أن يعمل كتاباً قائماً برأسه يثبت فيه المصطلحات الموسيقية الواردة في التآليف العربية مع ما يراد منها في اللغة الفرنسية حسبما نقل. وفي