للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتوجه في غم شديد إلى مكان آخر مبتعداً عن رائحة الحمار ويلقي شبكته فتحمل إليه الخير كل الخير، في صورة سميه البحري يبادله فاكهة البر بجواهر البحر.

ويقيني أن صاحب القصة لم يختر اسم عبد الله اعتباطاً. وهذا الاسم يعزز ما أنا ذاهب إليه من أن القصة يحركها روح ديني، ويسري في أعطافها إيمان عميق. فلم يختص المؤلف عبد الله البري وعبد الله البحري بهذا الاسم. فهذا الملك يسأل صهره عمن يكون صديقه الخباز وما اسمه، فيجيبه الصياد (اسمه عبد الله الخباز. وأنا اسمي عبد الله البري. وصاحبي اسمه عبد الله البحري) فيقول الملك (وأنا اسمي عبد الله، وعبيد الله كلهم إخوان)

وهانحن أولاء نرى شخصاً آخر من أشخاص القصة - وليس من الطبقة الفقيرة كالصياد، ولا من الطبقة الوسطى كالخباز، بل هو ملك البلاد بالذات - مفعماً إيماناً وثقة بالله، فهو قائل لشيخ الجوهرية ومن جاءوا يتهمون الصياد بالسرقة (يا قبحاء! أتستكثرون النعمة على مؤمن؟ لماذا لم تسألوه أولاً؟ ربما رزقه الله من حيث لا يحتسب. اخرجوا، لا بارك الله فيكم)

وهو القائل بعد سماعه قصة الصياد (يا رجل، هذا نصيبك ولكن المال يحتاج إلى جاه، فأنا أسندك بجاهي) ثم يزوجه الأميرة ابنته

وماذا تتوقع أن يكون اسم الأميرة بعد هذا؟ أم السعود! لو أن كاتباً رمزياً كتب قصة الإيمان لما اختار للأميرة اسماً أفضل من هذا. (أم السعود)، السعود الذي يلمع في طالع المؤمن القانت.

وتعال معي إلى القسم الثاني من القصة، ماذا نرى؟

هذا عبد الله البحري يسأل صاحبه عن قبر النبي ويقول:

(هنيئاً لكم يا أهل البر بزيارة هذا النبي الكريم). ثم يدعو عبد الله البري أن يغوص بصحبته في أغوار البحر ليحمله هدية إلى قبر النبي

وتتجه القصة بعد ذلك اتجاهاً فلسفياً واضحاً لمن يطالع ما وراء السطور. فهذا البحر مظهر من مظاهر الكون تتضاءل حياله الأرض التي نعرفها. وهاهو ذا (الدندان) أكبر أحيائه طرا يأكل من دواب البحر (أما سمعت المثل القائل: مثل سمك البحر القوي يأكل الضعيف؟) حكمة الخالق يصدع بها المخلوق

<<  <  ج:
ص:  >  >>