ويخشى عبد الله البري إذا نزل مع صاحبه إلى البحر (أن يصادفه هذا النوع فيأكله). وهنا يكشف صاحب القصة عن مرماه الفلسفي، إذ يؤكد لنا بأن (الدندان) يموت لساعته إذا أكل ابن آدم. وليكف أن يصيح فيه الإنسان صيحة ليموت. أي تأمل ما تميز به الإنسان الضعيف بجسمه، فهو يستطيع بعقله أن يتغلب على المخلوقات الأخرى. وهذا عبد الله البري يسبح في أمواه البحر فيرى جميع الأحياء البحرية تهرب منه. ويسأل صاحبه عن هذا فيجيبه (مخافة منك، لأن جميع ما خلقه الله يخاف ابن آدم)
ويشهد بطل القصة عجائب البحار كما تخيلها المؤلف. وخياله في أغلبه شبيه بتخيلات الشعوب الفطرية التي ترى في آلهتها صوراً مما تشاهده حولها، إنساناً أو حيواناً أو جماداً، ففي هذا البحر الخيالي جبال ووهاد ومدائن. وفيه (شيء يشبه الجاموس وشيء يشبه البقر، وشيء يشبه الكلاب، وشيء يشبه الآدميين)
وخيال صاحب القصة قائم على الـ حسب ما اصطلح عليه الباحثون في نفسية الشعوب الفطرية. فهو يصور بعض الأحياء البحرية تصويراً آدمياً مع تغيير طفيف اقتضته حياتها في الماء: كالزعنفة الذنبية، وتلك الأطراف النابتة من بطونها. ولهذا التصوير أصل من الواقع. وربما سمع صاحب القصة أو رأى نوعاً من الفقم يعرف بالدوجونج لا تزال تعرض بعض نماذجه على شواطئ المحيط الهندي باعتبارها (أبناء البحر وبناته). وقد عرض علي بعض اليمانيين في عدن ذكراً أو أنثى من تلك الحيوانات اللبونة على هذا الاعتبار
وللقارئ أن يفاضل بين قصة (عبد الله البري وعبد الله البحري) وبين قصص (السندباد) - وربما عالجت تلخيصها على هذه الصفحات يوماً - ليرى في هذه الأخيرة خيالاً أغزر مادة وأبرع أسلوباً. وفي رأيي أن الخيال في قصص (السندباد) غاية ينتهي إليها الوصف. بينا هو في قصة (عبد الله) واسطة لغاية هي ما نحن بسبيله من المرامي الفلسفية للقصة
وأود بهذه المناسبة أن أشير إلى قصيدة (شيللر) وعنوانها (الغواص). وفيها يرسم لنا خيال الشاعر (الرومانتيكي) صورة لأعماق البحر من نوع يختلف كثيراً عما نحن بصدده في قصة (عبد الله البحري). إذ يطلق (شيللر) العنان لخياله في أسلوب جمع كافة المميزات الشعرية. بينما ينهج صاحب قصة (ألف ليلة) نهجاً واقعياً مباشراً في وصف عالم البحار.