وإنك لتسأل بعد قرأتها: أهذه رسائل حب؟ أو ذكرى حب؟ وأنت خليق أن تفتقد فيها الإنسان قبل الفنان.
أسمع قصيدة صدر بها أحد كتبه ولاشك أنه معجب بها، اسمع الشعر الذي يعجب من ينقذ شعر العقاد في الحب:
من للمحب ومن يعينه؟ ... والحب أهنأه حزينهُ
أنا ما عرفت سوى قسا ... وته فقولوا كيف لينهُ
إن يقض دين ذوى الهوى ... فأنا الذي بقيت ديونه
قلبي هو الذهب الكر ... يم فلا يفارقه رنينهُ
قلبي هو الألماس يع ... رف من أشعته ثمينه
قلبي يحب وإنما ... أخلاقه فيه ودينه
فهذا الشاعر الذي ينقد شعر العقاد في الحب، هو الذي يعجبه ما يقلد من شعراء الدول المتتابعة والمماليك في مصر، وشعراء أواخر العهد العباسي فنسمع رنين شعرهم في:
(إن يقض دين ذوي الهوى ... فأنا الذي بقيت ديونه)
يعجبه هذا الذي لا يرتفع مستواه الفني على أن يذكر (قلبه) في سوق (المجوهرات) من الذهب والألماس، معتقداً أن تلك (المعادن) أثمن من (القلوب) لأنها تقوّم بالمال الكثير في السوق.
وما عن تهكم أصدر في هذا التعبير، فهي حقيقة تعززها الأمثلة الكثيرة في (الرسائل) وسيأتي هذا في موضعه.
أما القصيدة بعد هذا فخطبة منبرية، لا تعرف أن كان صاحبها محباً حياً يثير الحب في نفسه وأعصابه دفعات الحب، وينبه خوالجه وخواطره، ويعمق إحساسه بالحياة، ويضاعف شعوره، أم إنه واعظ يدعو في جفاف وجفوة إلى (عدم الاعتداء على الأعراض) بأسلوب لا يتصل بالقلوب، كمعظم خطباء المساجد في هذه الأيام:
يا من يحب حبيبه ... ويظنه أمسى يهينه
وتعف منه ظواهر ... لكنه نجس يقينه
كالقبر غطته الزهو ... ر وتحته عفِنٌ دفينه