ماذا يكون هواك لو ... كل الذي تهوى يكونه
دع في ظنونك موضعاً ... إن الحبيب له ظنونه
وخذ الجميل لكي تزي ... ن الحسن فيه بما يزينه
إن تنقلب لص العفا ... ف لمن تحب فمن أمينُه
الخ. . . الخ
ولعل أصدقاء الرافعي في نشوة حين يطالعهم بهذه الصورة الذهنية:
كالقبر غطته الزهو ... ر وتحته عفِنٌ دفينه
ولكن أين هذا أيها (الأحياء) في عالم الحب الحي، وإن هو إلا (اللعب على الحبل) في هذا الميدان؟
ثم ماذا؟ ثم اسمع الشاعر الذي لا يعجبه شعر العقاد في الحب:
حسناء خالقها أتم جمالها ... سألته معجزة الهوى فأنالها
لما حباها الله جل جلاله ... بالحسن منفرداً أجل جلالها
تضنى المحب كأنما أجفانها ... ألقت عليه فتورها وملالها
هيفاء قد شب النسيم قوامها ... غصناً فإِن خطر النسيم أمالها
سيالة الأعطاف أين ترنحت ... تطلق لكهربة الهوى سيالها
هكذا نعود إلى شعراء الدول المتتابعة في التكلف والمعاني المطروقة التي يباع كل عشرة منها بقرش في هذه الأيام! ولا نرتفع عن (الأجفان التي تلقى على المحب فتورها وملالها)، ولا عن (النسيم الأعمى أو الأصم أو الثقيل الحس الذي يحسب المحبوبة غصناً، لعماه أو صممه أو ثقل حسه، فيميلها عند مروره!
وهكذا لا ندخل أبداً في زحمة الحياة وتياراتها، ولا نحس الحياة في خالجه أو خاطرة، ولا (نعيش) في هذا الحب عيشة الأحياء الذين يتأثرون بحسهم وأعصابهم وخوالجهم بجانب أذهانهم، أو حتى الأحياء الذين تلتفت أذهانهم وحدها إلى صور الحياة وأشكالها، ودوافعها وأمواجها ولو لم يندمجوا فيها، ويتأثروا بها!
ولكن لا، فقد كسبنا التفاته ذهنية رخيصة، لا بل التفاته عرفية أو كلامية، فأن هذه الحبيبة لما (انفردت) فكانت لها صفة (الوجدانية) في الحسن (أجل جلالها) الله (جل جلاله).