للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عابر السبيل: لا يلقى باله إلى شيء مما حواليه أو يبلغ إلى غايته. . .

لم يكن الرافعي ليعرف شيئاً في سياسة الحكومات العربية المتعاقبة، ولكن له هدفاً عاش يسعى جاهداً لتحقيقه: هو أن يبعث الحمية الإسلامية في نفس كل مسلم، ويوقظ النخوة العربية في قلب كل عربي؛ فكان بذلك رسول العروبة والإسلام إلى كل مسلم وكل عربي؛ فلا جرم كان بذلك احب كتاب العربية إلى كل مسلم وكل عربي.

حياته الأدبية كلها تدور حول هذا المحور، ومنشآته الأدبية كلها يسعى بها إلى هذا الهدف، ومعاركه الطاحنة كلها تنشب في هذا المعترك؛ وما عادى عدواً قط من أدباء العربية إلا للدين أو اللغة أو القرآن؛ وما اتخذ صديقاً من رجال الأدب أو السياسة إلا للدين أو اللغة أو القرآن.

وليس من عجب أن تكون فلسطين هي اسبق بلاد العربية إلى تجديد ذكرى الرافعي؛ فقد كانت فلسطين هي حب بلاد العربية إلى الرافعي؛ وما أحسبه كتب شيئا يتصل بشأن خاص من الشؤون القائمة في بلد من بلاد العربية، وان له في فلسطين لمقالات يذكرها كل عربي في فلسطين!

لقد حاول كثير من مؤرخي الأدب أن يتحدثوا عن الرافعي في حياته؛ فقالوا شاعر. وقالوا كاتب. وقالوا أديب. وقالوا عالم. وقالوا مؤرخ. ولكنهم لم يقولوا الكلمة التي كان ينبغي أن تقال: لقد كان شاعراً، وكاتباً، وأديباً، وعالماً، ومؤرخاً؛ ولكنه بكل أولئك، وبغير أولئك، كان شيئاً غير الشاعر والكاتب والأديب، وغير العالم والمؤرخ؛ كان هبة الله إلى الأمة العربية المسلمة في هذا الزمان، لينبهها إلى حقائق وجودها، وليردها إلى مقوماتها، وليشخص لها شخصيتها التي تعيش باسمها ولا تعيش فيها، والتي تعتز بها ولا تعمل لها.

وكان يشعر انه وحده في الميدان والجميع ألبٌ عليه، فعاش حياته كلها يصارع ويكافح، ويقاوم ويناضل، حتى خر صريعاً وفي يداه الراية؛ لم يتركها حتى انتزعها الموت من يده!

كثر ما قال عنه أعدائه وغير أعدائه في حياته: انه حديد اللسان. انه لدود الخصام. انه لا يرعى اعتباراً مما تقوم به الصلات بين أهل الأدب، حين ينزل إلى معترك من معارك النقد. . . صدقوا، ولكن. . . أرأيت معرة على البدوي الثائر لعرضه أن يسفك الدم؟ انه هو هو؛ فمن ذلك كانت شدته وصرامته ولدده في الخصام: في سبيل القرآن، ومن اجل

<<  <  ج:
ص:  >  >>