فهو قد أراد بهذا أن يستوفي جميع أشكال التنبه والاستيعاب دون أن يلاحظ الصدق والواقع وما يمكن تحققه من هذه الأشكال بالنسبة لمن يتحدث عنها. ذلك أن المرحوم مصطفي صادق الرافعي لم يكن (يمد أذنه وراء كل حديث) كما يعرف من يعرفه؛ ولم تكن هذه الحاسة من أدواته في التنبه والتأمل، فكان من (الصدق) ألا تذكر دون أن يضيره هذا أو يعيبه، إذ كان هذا مما لا يعاب. غير أن أحب استيفاء جميع الأشكال والفروض هو الذي يدفع الأستاذ سعيداً إلى هذا التفصيل
وليس ذلك بقليل الدلالة على هذه الظاهرة في مدرسة الرافعي؛ وما قصدت بإثباتها أن ألمز الرجل كما قد يفهم بعض ذوي الطبائع المنحرفة، فأخلاقي - على الأقل - لا تسمح لي باللمز، ولكني أردت إثبات الظاهرة في أحد تلاميذه، بفلته عارضة غير ملتفت إليها، وهي عميقة الدلالة على اتجاه المدرسة كلها
وقد أسلفت أنني تلقيت نبأ (حب الرافعي) بكثير من الدهشة لأن (الحب) يتطلب (قلباً) وهو ما كنت أفتقده فيه.
والآن أقول: إنني بعد أن فحصت عن هذا (القلب) في (رسائل الأحزان) لم أجد له ظلاً؛ ثم وجدت هنالك رجلا لا (يفهم) عن الحب شيئاً، ولا يدرك أثره في النفس حية ولو من باب الدراسة والملاحظة
وإليك البرهان:
ليس أدل على الجهل بطبيعة الحب من تصويره ظلاماً كما مر وهو النور المشرق الذي يفتح النفس والذهن والعين على عوالم لا عداد لها ولها شطآن. فإذا جاز أن نقول من باب الدعابة: أن التشبيه هناك كان أعز من الرافعي من الحب، وإن (الصنعة حكمت) كما يقولون! فكيف نقول في تشبيه الحب بعد ذلك بالموت حين يقول:
(ولكن هناك موتاً لا ينقل من الدنيا إلى الآخرة، بل من نصف الدنيا إلى نصفها الآخر. . . وهو من أسرار الإنسانية عكس ذلك (الموت) لأنه أظهر ما خفي وهو الحب)
فما معنى أن الحب (موت عكس الموت؟) وأنه لا ينقل من الدنيا إلى الآخرة ولكن من نصف الدنيا إلى نصفها الآخر؟ العب بالألفاظ أم (شقلبة) في الأشكال؟ وعلى أية حال فأين الحب في كل صوره وأشكاله، من الموت في كل صوره وأشكاله، حتى يسوغ لإنسان أن