إن الحب من صميم الحياة بكل ذراته وآثاره؛ ولن يكون موتاً أبداً لا في الخارج ولا في الضمير. وألف سفسطة في التخريج لا تفسر اقتران الحب بالموت في (ذهن) من الأذهان! ويقول:
(وما من أحد في الأرض يستقيم طبعه على الجمع بين هم الحب وهم الحياة، فإن قام بواحد زاغ من الآخر لا يبالي به، إذ هما حقيقتان متدافعتان كتياري الكهرباء، لو أمكن شيء، من المستحيل، لما أمكن أن يطردا في سلك واحد، أطرادهما في السلكين)
هذه قولة الرافعي وهي دليل لا ينقض على أنه لم (يحس) الحب في حياته، ودليل كذلك على أنه لا (يفهم) إحساس الحب في سواه، ولا يحسن تعليل ظواهره وتفسير دوافعه، ككل ذي ذهن مشرق مستقيم
هو يرى أن الذي يحب يستخف بهموم الحياة، حتى يخيل إليه أنه نسيها. فيفهم من ذلك أن هم الحب قد طردهم العيش، لأنهما متناقضان متدافعان. وذلك في (الظاهر) وفي (الشكل) الصحيح ولكن الحقيقة الباطنة أن الحب يضاعف القوى الباطنة ويفسح في الحياة ويعمق جوانبها فتخف تبعا لذلك على النفس هموم الحياة، حتى يخيل لصاحبها ذاته أنه ينساها
فليس عن تضاد بين الهمين ولا تدافع ينشأ هذا الشعور، ولكن عن فسحة في النفس، وقوة في الحس لا تضير ولا تتبرم بهموم الحياة، لأن النفس أصبحت أكبر وأرحب منها فلا تحس بها وكل شيء نسبي بين القوه والمقاومة
وهذا هو التعليل (الإنساني) والتعليل (النفسي) الذي لا يدركه أدباء الذهن الكليل. ومن هذا النحو قوله:
(فأن في كل عاشق معنى مجهولا، لا يحده علم، ولا تصفه معرفة، وهو كالمصباح المنطفئ ينتظر من يضيئه ليضئ، فلا ينقصه إلا من فيه قدحة النور، أو شرارة النار. وفي كل امرأة جميلة واحدة من هذين)
فهكذا يتصور الرافعي أن المحب عند تهيئه للحب، يكون كالمصباح المنطفئ الخامد الهامد، وقدحة النور أو شرارة النار، إنما تأتي له من (الخارج) وليست كامنة في (ضميره). وهذا التصور يتمشى مع خواء الرافعي وسطحيته