أما الحقيقة الروحية التي يفهمها ذوو (النفوس) فهي أن الحب فيض في النفس، وامتلاء في الشعور، يحس معه الإنسان أنه بحاجة إلى صلة إنسان آخر، لكي يفيض على هذا الإنسان من القدر الفائض في نفسه ويعطيه مما يزخر به شعوره؛ فالمصباح حين التهيؤ للحب لا يكون منطفئا خامدا هامدا بل يكون موقدا مشرقا يبحث عمن يفيض عليه من نوره، ويبذل له من إشراقه ووميضه. وحقيقة أن (الجميلة) التي يصادفها إذ ذاك تزيد في إشراقه وتوهجه، ولكن كما يزيد الزيت في لألأة المصباح الموقد، لا كما تصنع الشعلة في المصباح المنطفئ
وهذا هو الحب في الحياة، أما الحب في (الذهن) وحده فقد يكون ذاك!
والرافعي في زحمة الحب، وفي فيضه وأنبساطه، لا ينسى عالم الحقد الضيق، ولا رقعة الغيظ المحدودة، فتلمس في كلماته ونبراته صوت تضريس الأسنان من الحنق، وتنزى الأعضاء من الضغن، وذلك شأن غريب
نعم غريب، فقد كان مفهوما أن يبلغ به الضغن والحقد على العقاد أن يحجم عن شراء (وحي الأربعين) كما حكى تلميذه العريان، ولكن الذي لا يفهم أن تلازمه طبيعة الحقد وهو في معرض الحب والحقد تيبس في الشعور
ومن أراد أن يعرف أهم أسباب الحقد في نظر الرافعي، وأظهر دوافعه، فليعلم أنه فوقان إنسان على إنسان في النتاج الأدبي! ولعل هذا سبب ما بينه وبين العقاد! فهو يقول عن (حبيبته)
(ولو أن الله مكنها من لغة كتابه الكريم، لغص منها في هذا الشرق العربي كل كاتب وكاتبة غصة لا تساغ ولا تتنفس)
أي لو أن هذه المرأة كانت متمكنة من دراسة اللغة العربية لما كان الأثر الذي تخلفه في نفس كل كاتب وكاتبة بلا استثناء إلا الغصة التي لا تساغ ولا تتنفس
هكذا لا تسمح طبيعة الحقد الأصلية أن تتصور أن إجادة الأديب تهيئ له معجبين بأدبه، أحباء إليه، كلا، بل لا بد من الغصة في صدورهم. وأية غصة؟ هي التي لا تساغ ولا تتنفس. . .
وهكذا كان الرافعي مع العقاد! إن فلتات اللسان، تظهر كوامن الإنسان؛ وهذه فلتة كشفت