أعتقد أن العراق أدى حق الأخوة حين وثق بمصر، ولم يبق إلا أن يؤدي المصريون واجبهم في حمل الأمانة وحفظ العهد
وخطب معالي وزير المعارف خطبة وجيزة جداً أعلن فيها ارتياحه إلى تبادل العطف بين الأساتذة والطلاب، وهو معنى شريف
وبعد توزيع الجوائز وتناول الشاي غنى الأستاذ محمود توفيق مع فرقة الإذاعة أغنية طريفة. ثم غنت المطربة زكية جورج أغنية فيها أسم (ليلى) فاشرأبت أعناق الحاضرين للبحث عن مكاني، وصاح سعادة الأستاذ تحسين إبراهيم: أين الدكتور زكي مبارك؟ فتقدمت على استحياء والدمع في عيني، وشكرت المطربة، ورجوتها أن تغني:(على بلد المحبوب وديني)
فلما وصلت إلى عبارة (وعيني تبقى في عينيك) نظرت إلي وحدقت بعطف وحنان، وفهم الحاضرون الإشارة فضجت أكفهم بالتصفيق، ورأيت موقفي صار في غاية من الحرج فأنسحبت وحرمت نفسي بقية الأطايب التي وعد بها منهج الاحتفال
وبعد أسبوع حضرت حفلة توزيع الجوائز بكلية الطب فرأيت الطلاب في صف والطالبات في صف، وراعني أن يكون الطالبات جميعاً من البيض، فيا رباه كيف جعلت ليلاي بالعراق سمراء!. . . أحبك يا ليلى وأحب شعاع السمرة وهو يتموج في سرائر وجهك الجميل!
وأقسم المتخرجون اليمين واحداً واحداً. وليتهم أقسموا دفعة واحدة، كالذي وقع في كلية الحقوق، فقد قضيت نحو ألفي ثانية وأنا أسمع (وأقسم أن لا أفشي سراً لمريض) وأدرك الأستاذ مهدي كبة حيرتي وذهولي فقال: تلك عاقبة من يفشي أسرار مرضاه من الملاح
فضحتني يا ليلى، شفاك الله وعفا عني!
ولما خرجت من الحفلة مضيت إلى محطة الإذاعة، مضيت أستجدي القول المأثور:
يقولون ليلى في العراق مريضة ... فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
ولكن سكرتير الإذاعة في هذه المرة رجل له وجه الجاحظ ولو شئت لقلت إنه الصفواني. وقد اعتذر عن إذاعة ذلك الصوت لأنه لا يريد أن يحول أهل العراق كلهم إلى مجانين.