للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كأنه يعقل!

وخرجت مع الأستاذ إبراهيم حلمي راجياً أن يكون في سمره الطريف ما يخفف حزني، فما خف حزني ولا تزحزح، ورجعت إلى البيت وأنا مكروب

وقمت قبيل الفجر مرتاعاً لطرق الباب، فتدثرت وخرجت فإذا الجار العزيز يسأل عن حالي وفي ذراعه زوجته المصرية النبيلة التي رعت غربتي أكرم رعاية. فقلت: خير! ما عندك يا سيد داود؟ فأجاب: لقد استيقظت السيدة وهي مرعوبة، لأنها سمعتك تصرخ آه! آه! يا ليل! يا ليل! وقد حسبناك مريضاً فحضرنا للاطمئنان عليك

فقلت: أنا بخير كما ترون وصوبت بصري إلى الزوج وقلت: الرفق لا يستغرب من عراقي مثلك. ونظرت إلى الزوجة وقلت: الأزهار المصرية رقيقة الأوراق

أنا كنت أقول: آه آه؟ هذا صحيح، ولكني ما كنت أقول: (يا ليل يا ليل)؛ وإنما كنت أقول (يا ليلى يا ليلى)

فضحتني يا ليلى عند جيراني وقد شفاك الله فمتى يمن عليّ بالشفاء؟

وفي ظهر ذلك اليوم العنيف مضيت لشهود حفلة الطيران، وهي حفلة سنوية يستبق إليها أهل بغداد من رجال ونساء، أقيمت الحفلة في المطار المدني ودامت ثلاث ساعات شهدت فيها الأعاجيب وعرفت أن فتيان العراق يعرفون معنى السيطرة على الهواء، وكان في المنهج صورة طريفة من التقاط الرسائل فألقيت بنفسي في ساحة المطار وقدمت رسالة إلى الله عز شأنه أدعوه أن يزيح الكرب عن أهل فلسطين، فإن شكاياتهم من الظلم كدرت جميع الناس، وآذت المنصفين من أحرار اليهود. وأشهد صادقاً أني رأيت ناساً من بني إسرائيل يتوجعون لمصير العرب في فلسطين، وفلسطين الشهيدة لا تدافع اليهود من العرب، وإنما تدافع اليهود من الأجانب الذين يدخلون عليها بلا تسليم ولا استئذان فيغرسون الحقد على سائر اليهود في الأقطار العربية. وشهدت الطيران القاصف، طيران الهجوم، فتمنيت لو ساد السلام وتحول الطيران في جميع بقاع الأرض إلى وسائل اقتصادية

وشهدت تشكيلات الأسراب فرأيت كيف تقام الخطوط الهندسية في أجواز الفضاء وفي الناس من يعجز عن إقامة الحدود الهندسية فوق القرطاس!

ورأيت الطيران الأهوج فتمنيت لو سموه طيران القلوب. فليس لأحوال القلوب ميزان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>