للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقبلها، وأخذ يداعبها ويلمس خدها الطري الصغير بإصبعه الناشف الكبير لتبتسم ثم ردها إلى أمي ونظر إلى أمي وقال: (هذه إن شاء الله لابننا)

ولم أشهد أنا هذه الجلسة فقد كنت في الكتاب ولكنهم دعوني حين صعدت إلى رؤية (عروسي) فلم أزد على النظر إليها ثم انصرفت عنها غير عابئ بها لأنها لا تستطيع أن تلاعبني ولم أكن أعرف في ذلك الوقت أن هذه التي احتقرتها هي التي ستكون زوجتي يوماً ما. ولو أن أحداً بين لي هذا يومئذ وكشف لي عن الغيب فيه لما فهمته. وقد قصت أمي علي ما دار في هذه الجلسة فيما بعد ولم يخطر لي قط أن أشك في صدقها، فقد كانت رحمها الله لا تكذب. ولا تعرف المحاورة والمداورة أو اللف إلى أغراضها. وقد مات أبي بعد سنوات قليلة ولم يعش لينعم بهذا الزواج الذي رتبه وقرره لابنه الذاهل في طفولته. ولكن ابنه - وأعني نفسي - ظل بعد أن سمع هذا الحديث وعرف رغبة أبيه يدور في نفسه أن أباه كان يشتهي أن يزوجه هذه الصغيرة بعد أن يكبرا فاتجهت نفسي مع هذا الخاطر وصرت أنظر إلى بنت خالي نظرتي إلى زوجتي المستقبلة. وكانت امرأة خالي على عادة بعض الأمهات - تبديها لي تارة وتحجبها عني تارة فأثمرت هذه المحاورة ثمرتها وتعلقت نفسي بالفتاة وصبوت إليها فلما صرت ذا عمل أكسب منه رزقي حققت رغبة أبي وهكذا سيطرت عليَّ إرادة أب مات قبل سنوات عديدة، وقولوا ما شئتم في تأويل ذلك، فلن تخرجوا به عن كونه مظهراً لتحكم الموتى في الأحياء

ومنذ بضع سنوات قليلة دعاني صديقي الأستاذ سليم بك حسن العالم الأثري المشهور إلى زيارة ما كشف عنه من الآثار القديمة عند الهرم في المنطقة التي اتخذتها الجامعة لحفائرها، وقد طاف بنا ساعات طويلة وهو يشرح ويفسر، ولكنه لم يستوقفني من كل ما رأيت سوى أثرين أو نوعين من الآثار: فأما الأول فجدران بيوت قديمة لعلها كانت سكنى لكهنة المعابد أو خدمهم، وقد وقفت مذهولاً أمام هذه الجدران فقد سكنت بيوتاً جدرانها مدهونة على هذا النحو وبهذه الألوان عينها. والذين سكنوا البيوت القديمة قبل أن ترتفع هذه العمائر الجديدة يعرفون ولا شك كيف تدهن الجدران من الداخل باللون الأبيض أو الوردي أو الأزرق، وكيف يجري خط عريض بلون آخر كالحزام للجدار وفوقه خط آخر، وتحت هذين على مسافة عشرين سنتيا أو نحو ذلك خط عريض آخر، وكيف يملأ بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>