الخطين العريضين بالرسوم أو النقوش أو يترك ما بينهما بياضاً
هذا الذوق في زخرفة الجدران ليس جديداً وإنما ذوق انحدر إلينا وورثناه من آلاف السنين وعشرات القرون. وقد طغت علينا في السنوات العشر الأخيرة موجة من الغرب، فنحن نقلده في هندسة البناء وفي طراز الزخرفة، ولكنا بدأنا نستنكر أن نظل مقلدين ونستهجن أن نفقد بذلك خصائصنا القومية وذوقنا الخاص الذي نتميز به بين الأمم. وعسير أن يتنبأ المرء بما تؤدي إليه هذه النزعة الجديدة إلى التحرر من أسر الغرب والرغبة في أن نرجع إلى ما تمليه علينا طبيعتنا ومزاجنا القومي الخاص، ولكن المهم أن هذا التقليد ليس إلا نتيجة الشعور بقوة الغرب وضعفنا حياله وتوهمنا من أجل ذلك أن كل ما درجنا عليه مظاهر للتأخر، وأن بقاء ذلك معناه بقاؤنا متأخرين فيجب إذن أن نعجل بتغييره بل بمحوه. ولكنا سنستقر على الأيام فتتغلب علينا خصائصنا أو تؤثر على الأقل فيما ننقله ونقلد به الأمم الأخرى. وما الحاجة إلى الذهاب إلى الهرم للعثور على مثل لتحكم الميت في الحي وسيطرة الماضي على الحاضر؛ هذه الأديان كلها في الدنيا جميعها أهي وليدة العصر الحاضر؟ الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والكونفشيوسية وغيرها، أحدثها يرجع إلى أكثر من خمسة عشر قرناً. ولست أصدق أن في الدنيا ملحداً بالمعنى الصحيح، ورافضاً لكل دين وكل عقيدة. كان لي صديق لا يزال يفاخر بأنه ملحد لا يؤمن بشيء، وكنت ألومه وأقول له ماذا يعني الناس منك إذا كنت تؤثر لنفسك أن تكون ملحداً. الحد ما شئت فأن هذه جنازتك كما يقول الإنجليز، ولكن أرح الناس من الأثقال عليهم بهذه الآراء التي لا يرتاحون إليها. فكان يضحك مني ويصر على حماقة المفاخرة بشدة إلحاده. ومضت سنوات والتقينا على ظهر باخرة ذاهبة إلى جنوة، واضطرب البحر عصر يوم ورمانا لجه بالزبد، وأنا ممن لا تدور رؤوسهم في البحر مهما بلغ من اصطخاب أمواجه، ولكن صاحبي الملحد أصيب بدوار شديد ألزمه سريره، فقلت أزوره لأطمئن عليه ولأرى ماذا أستطيع أن أصنع له، فدخلت عليه فألفيته ممتقع اللون جداً من طول ما جشأت نفسه ونهضت بلا انقطاع تقريباً، وكان مغمض العين ولكن شفتيه كانتا تتحركان أو تختلجان بما لا أسمع من فرط الخفوت، فملت عليه لأسمع ما هو قائل حتى كادت أذني تلمس فمه، فإذا به يذكر الله ويتوسل إليه أن ينقذه ويخفف عنه. وقد ترددت بعد ذلك، أأعيره بما سمعت منه أم أدعه