وخبروني: كيف حلا لأهل بدر وهم ثلاثمائة ليس معهم إلا فرسان وسبعون بعيراً أن يقابلوا جيش المشركين، وهو ألف معهم عتادهم وخيلهم ورجلهم. . . ثم تنتصر الفئة القليلة وتأكل أرض بدر سبعين جسداً من يآفيخ الشرك؟
بل خبروني كيف حلا لسبعين عراقياً ومثلهم من الفلسطينيين ومثلهم من الأردنيين والسوريين أن يواجهوا جبابرة البر والبحر في ثورة فلسطين الماضية؟
وكيف استعصى على مالكة العباب والتراب والسحاب والكلاب البوليسية أيضاً أن تتعقب تلك الشراذم المفرقة على شعاب الجبال كالنسور والصقور، والتي تدير رحى ثورة ما عرف التاريخ لها مثيلاً في ضلاعة الرجال وصبرهم وإيمانهم بحقهم؟
وقد أخبرني هنا في العراق أحد كبار الصقور الذين كانوا يجاهدون في الثورة الماضية قبل تدخل ملوك العرب، أنهم كانوا يفعلون الأعاجيب. . . وأن الأقدار الإلهية كانت معهم بالتوفيق والإلهام، وأنهم لم يعفوا تفسير آيات الجهاد التي وردت في القرآن الكريم، والتي تجرد المسلمون من منطق الضعف ووسواس الحذر إلا في هذه الثورة. . . وأنهم اكتشفوا سرًّا خطيراً هو أن المسلمين يستطيعون أن يفعلوا أشياء عظيمة تثبت كيانهم وتعجل استقلالهم وتعيد إليهم مجدهم، ولكنهم يجهلون أنهم يستطيعون، أو لا يجهلون. . ولكن سادتهم وكبراءهم ورجال سياستهم وهم سبب الضعف والشلل وأصل الخوف والبلاء، وأنهم يفرطون ولا يستطيعون أن يلعبوا أدوارهم في الوقت المناسب، وأن سياستهم - إن كانت لهم سياسة - مكشوفة يقصد بها الشهرة وأنهم غافلون عن الأسباب السريعة التي تحيل النفوس الخزفية إلى نفوس حديدية، وانهم يجهلون بتاتاً روح (محمد)، أو يعرفونها ولا يستخدمونها خوفاً من الاتهام بالرجعية والتعصب. . . وأنهم فوق ذلك وأدهى من ذلك متفرقون مختلفون متناطحون كالثيران التي في المجزرة وهي لا تعلم لماذا هي في المجزرة!
أيها السادة:
إننا لسنا هازلين في نهضتنا. لقد طال رقودنا وركودنا وقد عزمنا أن تحيا أولاً جامعتنا العربية المكونة من ثمانين مليوناً هم في مركز الأرض كما تحيا أي جامعة. . . لنؤدي رسالتنا السامية في الحياة. ولن يعوقنا عائق مهما كان ملفقاً بالحديد والنار والذهب لأننا